من حقنا أن نتساءل بعد هذا الكم من النرجسية والتعالى الذى سمعناه فى تسريبات البرادعى فى الفترة من يناير وحتى مارس 2011، على كل النخب المصرية من أقصى يمينها لأقصى يسارها، من الذي ورطنا في هذا الموقف، من الذي صدر لقطاع كبير من شباب جمهورية مصر العربية وهم أن البرادعى إمتلك ولو للحظة واحدة مشروع ديمقراطى للتغيير وإنتقال السلطة، وأنه أفضل من بقية الاختيارات، من قال إن البرادعى سقف تفكيره عال بينما الجميع لا يدرك أفكاره.
ظلت هذه الأقاويل التى يدافع بها أصحاب البرادعى عن كل كبواته، فى حين أن الرجل نفسه منذ وطأت قدماه أرض المحروسة قد إستقر فى برجه العاجى ولم يفعل ما يؤكد أيا من هذه الادعاءات.
سرعان ما التفت حوله كل النخب الزائفة وقوى المعارضة المهترئة واستخدمته جبهة لتصدير كل ما يحتاج الشباب لاستقباله من رسائل، وأسقط عليه كل ما أسقط من آراء ونظريات فشلت المعارضة طوال سنوات فى إقناع الشعب بها، وقيل إنه هبط على مصر بمشروع متماسك للتغيير، لكن الأيام أثبتت أن كل ذلك كان محض افتراء.
الرجل منذ البداية احتقر كل من جاوروه منذ اللحظة الأولى، ورأى أنه لا أمل فى مسار صحيح للتغيير، فلماذا لم يختر أحد الخيارين إما الانسحاب أو الاشتباك بقوة وتغييرها وطرح مشروع واضح على الناس للإصلاح بكل جرأة.
عندما خرج علينا البرادعى بحزب الدستور ، وصدر لنا أنصاره إن المشروع الأساسى للحزب هو كتابة دستور ينقذ جمهورية مصر العربية من الوضع المتأزم ، إكتشفنا إن هذا الحزب سرابا فهو دون رؤية اقتصادية أو اجتماعية واضحة، بحيث يمكن الانحياز له أو رفضه ، وأكدوا إننا نقف فى لحظة تاريخية مشابهة للحظة ولادة حزب الوفد، الذى استقر بعد ذلك على كونه حزب ليبرالى، صدقهم البعض، لكن نفس هذه الدفاعات كانت سبب إنهيار الحزب واختفاؤه، فتعاركت التيارات داخله بين يسار اشتراكى، وليبرالى، وحتى المحافظون الباقون من حملة أبو الفتوح، بل أن الأمر وصل إلى إن البرادعى إعتزل الحزب الذى أسسه بنفسه!
النتيجة المؤكدة هو إن البرادعى يتحرك دائما وفق أجندة خاصة به، لا تستند لأى شئ موجود على الأرض فهو لم يحاول من قريب أو بعيد أن يشتبك مع الواقع، هو يتعامل مع نفسه باعتباره ممثل لرؤية ما هبطت علينا من السماء للتغيير.
والتساؤل هو لماذا يعود الآن البرادعي من جديد، ومن يمثل هذه المرة، فالمعلومات التي ظهرت أوضحت لنا إنه شخص يدقق جدا فيمن يتحدث معهم، وبالتالي فلا شك بأن الهدف من وراء أحاديثه الأخيره أن يمنح مصداقية مجانية بتعبيره لأى جهة أو شخص، وأنه قد يجرى حوارا مع إعلامى ما لا يحترمه لكنه يعرف أثره، إذا فالرجل واع بالتوقيت واختيار الجبهة التى يقف عليها، لقد كان من الممكن أن يختار البرادعى إجراء الحوار مع أي قناة عالمية، لكن إختياره لقناة العربى الجديد وهى فضائية معروفة بإنتماءاتها الإخوانية يعنى أنه قصد توصيل رسائل كثيرة قبل أن يتحدث ، وأن هذه العودة مستندة لأمرين الأول تصدير موقف قلق عن ما يحدث في جمهورية مصر العربية للدول الأوروبية تحديدا التي تسعى لفرض أجندة تحتاج من ينفذها، أو كالعادة أن يتحكموا فى مجريات الأمور عبر رمز معارض يتم إعادة تصديره للمجتمع المصري من جديد، والأمر الآخر هو محاولة بائسة من الإخوان المسلمين ومن خلفهم ومن يدعمهم في العودة لطاولة التفاوض بسقف مطالب أعلى قليلا مستغلين معاناة الأزمة الإقتصادية وتأثيرها على المجتمع .
والحقيقة إن الأمور فى جمهورية مصر العربية قد تجاوزت أحلام العودة ، فلا الإخوان مازالوا يصلحوا لتمثيل المعارضة ، ولا هناك من يمكن أن يأتمنهم على مستقبل الدولة من جديد حين خدع المواطنين فى شعاراتهم الدينية ، كما أن البرادعى نفسه لم يعد أملا يمكن أن يتعلق به الشباب الذين نضجت تجربتهم السياسية على مدار 6 سنوات كاملة .