على باب الفندق الذى أقامت فيه البعثة الرسمية المصرية المكلفة بحضور فعاليات العام الثقافى المصرى الصينى بمقاطعة «جوانزوا» فى الجنوب الصينى رأيت شجرتى يوسفى، الشجرتان تقفان فى شموخ ورقة، الفكرة الأولى التى ستدور بخلدك هى أن القائمين على الفندق رأوا وضع هاتين الشجرتين فى مكانهما للزينة ليس أكثر، لكن ما عرفته بعد هذا أكد أن الأمر يتعدى فكرة الزينة بكثير.
أحب تلك المقاطعة الصينية الدافئة، ليس لتشابه مناخها مع مصر فحسب، وليس أيضا لوجود العديد من التكتلات العربية بها، وإنما لأن بها ما يمكن أن يعد نموذجا للتعايش السلمى بين الأصالة والمعاصرة التى كثيرا ما تغنينا بها دون أن نفعل أى شىء حيال تحقيقها، فى جوانزوا نرى الصين الحديثة على حقيقتها، نرى الشعب الصينى وهو يعمل ويمرح ويحب، نراه وهو يشقى فى العمل ويسعى إلى رزقه مجتهدا، كما نرى تاريخه حاضرا فى كل شىء يمارسه، لا ينفصل الشعب الصينى عن تاريخه فى تلك المقاطعة المبجهة، التى حرصت على زيارتها للمرة الثانية، فقد زرتها العام الماضى بدعوة من وزارة الخارجية الصينية، وزرتها هذه الأيام لحضور فعاليات حفل ختام العام الثقافى المصرى الصينى، وأعتقد أننى لم أتأخر عن الذهاب إليها مرة أخرى، ففى كل مرة أرى فيها جديدا، وفى كل مرة أتعايش معها وفيها مستمتعا.
فى متحف مدينة جوانزوا الذى سأعود إليه ربما فى مقالات لاحقة وجدت تفسيرا لوضع هذه الأشجار، ليس على باب الفندق الذى أقمنا فيه فحسب، وإنما على أبواب الكثير من المنشآت الأخرى، كما لو كان الأمر واجبا قوميا، فقد عرفت أن اليوسفى ليس مجرد ثمرة فاكهة تشتهر بها المنطقة، وإنما يتعدى هذا الأمر بكثير، فهو رمز من رموز المدينة والجميع هنا فى جوانزوا يتعامل معه باعتباره رسالة محبة وسلام، حتى إن معنى اسم اليوسفى باللغة الصينية يعنى السلام والمحبة، وليس هذا الرمز فحسب هو ما يؤكد حضور التراث الشعبى الصينى فى قلوب أهل جوانزوا وعقلهم، بل كل شىء يقف خلف موجة الحداثة التى يعيشونها، بداية من حفاظهم على هوية المدينة الخضراء التى كانت فى الأصل عبارة عن مزارع وغابات، فوضعوا الأشجار والنباتات فى كل شبر فى المدينة حتى على الكبارى وفى الأنفاق، وحتى أعيادهم واحتفالاتهم وطريقة تناولهم الطعام، فهذه المدينة تعد بحق نموذجا لتعايش الماضى مع الحاضر، وتفيد ببلاغة ونصاعة بأن الحداثة لا تعنى الانهيار، وإنما تعنى حسن استغلال الإمكانيات الحضارية وحسن تقديمها والمحافظة عليها.