لم تشهد مدينة فى التاريخ عملية اغتيال لتاريخها التراثى والفنى والثقافى مثل مدينة الإسكندرية. فالمدينة التى تميزت منذ إنشائها على يد الإسكندر الأكبر المقدونى عام 332 قبل الميلاد بآثارها التاريخية ومبانيها التراثية ذات الطابع المعمارى المميز والتى تنتمى لعصور تاريخية مختلفة وتعكس حضارات متعددة احتضنتها المدينة، تعرضت خلال السنوات الستة السابقة لمذبحة بشعة لقصورها ومبانيها التاريخية والتراثية دون أن يتحرك أحد من المسؤولين ومن الأجهزة المعنية بالتراث والتاريخ للحفاظ على ما تبقى من المدينة التى كانت محمية تراثية مفتوحة للزائرين من كل أنحاء العالم.
للأسف المجزرة مازالت مستمرة.. وشاهدت بنفسى خلال زيارة سريعة للمدينة الأسبوع الماضى ما يحدث من عمليات هدم مستمرة للمبانى التراثية التى يرجع تاريخها لقرون سابقة فى أرقى وأقدم شوارع المدينة.. فمعاول الهدم والتدمير فى شارع فؤاد وشارع السلطان حسين وباقى شوارع المدينة مازالت مستمرة والأبراج السكنية العالية ذات المنظر الكئيب تحل محل المبانى التراثية البديعة تحت سمع وبصر المسؤوليين، حتى طال التشوه والقبح كل شىء كان جميلا فى المدينة التى كانت قبلة الجنسيات من كل صوب وحدب للتجارة والسياحة والمعيشة طوال قرون طويلة وتحولت المدينة إلى غابة من الأسمنت حتى احتوت وحدها 40% من مخالفات البناء فى مصر.
الإسكندرية ليست وحدها التى تتعرض للاغتيال والتشوه، مدن مصر مثل قنا وأسيوط وسوهاج وطنطا وغيرها، لكن عروس البحر المتوسط تعرضت- ومازالت- لأضخم عملية اغتيال فى التاريخ فى غياب القانون ومن قبله الضمير الإنسانى، وضاعت ثروة تاريخية وتراثية عظيمة فى الصفا ورأس التين والمنتزة وكفر عبده فى جريمة مكتملة الأركان دون محاسبة أو مراقبة من أحد.
نسمع أن هناك جهازا مسؤولا اسمه الجهاز القومى للتنسيق الحضارى تم إنشاؤه عام 2001 وبقرار جمهورى ولديه كل الصلاحيات، للحفاظ على المناطق ذات القيمة المعمارية المتميزة، والحفاظ على التراث المعمارى، ولكن مثله مثل باقى الأجهزة الضعيفة التى تواطأت على تاريخ وتراث مصر المعمارى.
لا أدرى ما هو دور هذا الجهاز وماذا فعل لوقف هذه الجريمة المنظمة ضد تراث وتاريخ مصر طوال ست سنوات، حتى ولو بالصراخ والكلام وهذا أضعف الايمان؟ ولماذا صمت على هذه الجريمة الإنسانية البشعة وترك معاول القبح والتشوه لتنهش كل القيم الجمالية فى الإسكندرية والقاهرة وباقى مدن مصر.