بل له ألف ألف تحية على طلبه أمس بعدم احتساب الطلاق الشفوى غير الموثق، وأظنه يعنى الطلاق فى المحكمة، اللطيف فى الموضوع أن انطلق كلٌ يفتى فى قصة الطلاق دون علم انطلاقًا من مفهومه لحديث "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الزواج والطلاق والعتاق" وبصرف النظر عن المعنى السامى وراء هذا الحديث وهو أنه فيما يخص الزواج آمرٌ للناس أن يوفوا بعهودهم، وفيما يخص العتق رغبةٌ فى تحرير العبيد وفيما يخص الطلاق كى يأخذه الناس على محمل الجد لما فيه من شر للمجتمع فلا يتخذه الناس هزوًا ولا لإساءة الأدب مع الزوجات وإيذائهن معنويًا فرتب عليه نتيجة حتمية بأنه إذا قيل ولو بالهزل وقع، والغرض من قوله بوقوع الطلاق حتى ولو "بالهزل" هو الامتناع عن ذلك من الأساس لا بغرض سوء استغلاله باللغو فى الطلاق! وكما نرى هكذا تحول الحديث عن هدفه الصحيح وهو الحفاظ الزواج وعلى كيان الأسرة حرصًا على ما أسماه الله فى كتابه "ميثاقًا غليظًا" للعكس تمامًا! وبصرف النظر فيما لِوَلِى الأمر من أن يفرض ما يرى فيه صلاح المجتمع ورفع ما يرى فيه خرابه وفيما للأمة أيضًا من حق فى الاتفاق على ما فيه صلاحها فتقر ما تقر وتمنع ما تمنع بالتوافق بما لا يتعارض مع صحيح الدين وقد سبق إلى ذلك عمر فى هذا الخصوص وغير ما كان معمولاً به على عهد النبى "ص" وأبو بكر وأول سنة خلافته من أن طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر "إن الناس قد استعجلوا فى أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم؟" فأمضاه عليهم تأديبًا لهم لأنهم أساءوا استخدام الرخص وغَيَّر بذلك ما عمل به النبى نفسه ليعود بعد عمر كما كان ومن يقرأ يعلم أن ليس كل طلاقٍ واقعٌ فمن الطلاق الذى لا يقع طلاق الغاضب وطلاق المضطر وطلاق الحائض والنفساء وطلاق طهر بعد جماع والهدف من ذلك طبعًا الحفاظ على البيوت وكلها هذه الطلقات يكون السبب فيها نفسيا ومُتَعَجلاً دون نية مبيتة للطلاق ولا الاستقرار عليه لاستحالة الحياة الزوجية بين الزوجين وكثيرًا ما يندم هؤلاء وما أكثر البيوت التى خربت للوقوع فى الطلاقٍ البائنٍ بينونة كبرى بسبب أحوال الغضب والعجلة ولعلها تكون هناك فرصة لدى الذاهبين إلى المحكمة لتوثيق الطلاق لمراجعة أنفسهم وكذلك فرصة ليصلح بينهم الأهل والقضاة ولعل هذا ما أراده تعالى "إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدًا إصلاحًا يوفق الله بينهما" وقد حدث فى عهد عمر أن اتفق زوجان على الطلاق فأرسل لهما عمرٌ نفرًا ليصلحوا بينهمًا ولم يوفقوا وعادوا إلى عمٍ خائبين وحين سألهم عمرٌ أجابوا لا يريد الله لهما الصلح فأجابهم بل أنتم لو أردتم لأصلحتم وقرأ عليهم الآية!
وأظن كلام الرئيس عن عدم احتساب الطلاق الشفوى واقعٌ يكون استنادًا إلى فتوى مستمدة من أى مما سبق من أحداث وتندرج تحت أى مما سبق من أسباب بطلان الطلاق أو على أقل تقدير تحت حق ولى الأمر أو إجماع الجموع على حقهم فى إقرار ما فيه صلاح حالهم ومجتمعهم فإذا ما رأوا واتفقوا على توثيق الطلاق يكون كما رأوا واتفقوا منذ زمن على توثيق الزواج، هناك الكثير والكثير ليقال وليس مجاله مقال وإنما قصدت فقط إيضاح وبيان بعض النقاط المهمة التى قد يغفلها المتحدثون وأنا على ثقة من أن ما قدمه دكتور هلالى بهذا الشأن بحث وافٍ يستحق القراءة وسينال كل التقدير وليطمئن كل من فى نفسه ذرةٍ من ريبة كما أنى على ثقة أنه حين يعلم الرجال أنهم حين يَعِدمون هذه "المَيْزة الجبارة" لن تكون لديهم حاجة لاستخدامها لأن وقتها ستكون هى والعدم سواء فلا خوفٌ من الوقوع فى الحرام! ولا أرى هجوم البعض على هذا إلا جهلاً أو كنوع من أنواع السادية فى معاملة المرأة وإلزامها بما لا تطيق كى لا يخرج الزوج المأفون عن شعوره فى أى لحظة ويلقى عليها يمين الطلاق! ليست هذه المرة الأولى التى اكتب فيها عن الطلاق والتعدد وحقوق المرأة ولن تكون الأخيرة وسأظل أقول وأكرر "لن ينصلح حال البيت المصرى إلا حين نمنع تعدد الزوجات ونجعل الزواج والطلاق موثقًا فى المحكمة وتحتسب مستحقات الزوجة عن سنى زواجها فى ثروة الزوج التى كونها فى فترة زواجهما فلا تقدم بدون أن تحصل المرأة على حقوقها كإنسانة كاملة فلن ينصلح حال المجتمع إلا بصلاح حال الأسرة ولن ينصلح حال أسرة تذل فيه ربتها وتهان.
كلمة أخيرة أختم بها مقالى لمن لا يعلم كثيرا من الآراء ذهبت إلى حرمة الطلاق أصلاً وإباحته للضرورة فقط !
* أستاذ بطب قصر العينى.