بعد ست سنوات هل يظل إحساسى بهذا اليوم كما كان؟ سؤال من الصعب الإجابة عليه فكل يومٍ فى شأن! آمنت وقتها بوجوب التغيير فقد طال بهم الأمد ولا ينوون الرحيل ولا أمل فى العدالة وتكافؤ الفرص فى وجودهم هل نجلس فى مقاعد المشاهدين نشهد تداول السلطة بين الأب والابن حتى الحفيد نصفق لنظام فاسد! كان المشهد رغم إظلامه أحسن مما نحن عليه الآن، وأحسن من كل ما عقب هذا اليوم، لم نتمكن من رؤية الأيادى المخربة التى بدعت المشهد وانجرفنا وراء أحلامنا المخلصة نسينا أن نحسب تبعات أن تقوم ثورة غوغاء ومرتزقة، لا قائد ولا فريق متكامل ليعمل كما عمل كاسترو مثلاً، فريق وقائد يعرفون ماذا يريدون ويتدبرون كيف يديرون، كيف سيتعاملون مع الموقف مع الشارع مع الحكم مع الداخل والخارج مع السياسة بوجه عام، وفوجئنا بفوضى وفتح سجون واحراق أقسام الشرطة وجرائم قتل لا ندرى لها فاعلاً سلاح فى كل مكان وشباب يموت ما هذا!!! والطريف تأييد داخلى وخارجى لآخر فريق كان من الممكن أن نختاره ليقود بلادنا!! موقف هزلى لكنه حزين! ليس هذا ما كنا نبغِ! قد غاب عنا أن ما كان كان حتمياً لشيئين أولهما ما رُسِّخ فى عقول عامة الناس فترة ما قبل الثورة وثانيهما تدخل جهات أخرى خارجية ليتحقق ذلك وهكذا ساهم الجميع؛ ونحن معهم ولكن دون رغبة منا؛ فى وصولهم للحكم!! أى ندمٍ هذا !!
بعد أيامٍ قليلة من الثورة وبمجرد ظهورهم فى الصورة أدركت أنها ثورة لا محال فاشلة وبدأنا الصراع معهم ومع العالم وهكذا الحال انهيار مستمر! ومنذ ذلك الحين ومشاعرى مضطربة لا أستطيع تحديد علاقتى بهذا التاريخ تحديداً أهى علاقة ود أم علاقة أسى وحزن! ظللت؛ للتخفيف عن نفسى؛ أخبرها طوال الوقت أن أياً من الثورات الكبرى لم تأتِ أكلها فى حينها!! تفنى الثورة وتظل المبادئ، ففى ثورة إنجلترا وبالرغم من الإبقاء على الملكية؛ بعد عزل جيمس الثانى وهروبه؛ إلا أنها رفعت عن الملك السلطات الإلهية وأصبح الحكم تدريجياً كله للبرلمان وأصبحت بريطانيا رمزا للديموقراطية البرلمانية المستقرة وعلى قمتها حتى يومنا هذا، وقد ظلت أمريكا فى حربها الأهلية وثوراتها للتحرر عن الإمبراطورية البريطانية أعواما وأعوام حتى أتممت تحررها بمساعدة فرنسا واحتدمت الأزمة الاقتصادية فى فرنسا بسبب هذه الحرب وتفاقمت، وما أن لبثت أمريكا بالاستقلال وإعلان جمهوريتها وتقلد جورج واشنطن مقاليد الرئاسة حتى قامت الثورة فى فرنسا أنها لعدوى الثورات والتاريخ! عشر سنين ثورة ولم يحكم الشعب فى فرنسا وقتل ماكسيميليان روبسبيير واليعاقبة أربعين ألفاً من البلاط والزعامات الشعبية والمواطنين والثوار أنفسهم ثم جاء نابليون وأزاح المديرين الذين عقبوا اليعاقبة ليعيد الإمبراطورية والديكتاتورية العسكرية لتظل فرنسا ملكية كما كانت بعد الثورة ما يقرب من مئة عام، لكن ظل ما فرضت الثورة من مبادئ حية، تحرروا من الكنيسة وتحرر العبيد وتحررت المرأة وأقروا حقوق الإنسان بوجه عام !!
نحمد الله أننا لم نكن كالثورة البلشفية وكنت أتصور أن التفاوت الطبقى يسوقنا لهذا الفكر الانتقامى الدموى! لكن اتضح أننا كنا أقرب للثورة الإيرانية التخطيط الخارجى غير المباشر أو المباشر منذ زمن وافتعال الأحداث بدءا من إعداد الشاه والإطاحة بمصدق ثم إعادة الشاه ووصولاً للخمينى!! نشكر الله أن أنقذنا من حكم المرشد وإلا أصابنا ما أصاب إيران !!
مشاعر مضطربة لكن مهما اضطربت لا يمكن إنكار أن فى هذا اليوم قضى جنود وضباط مصريون مخلصو النية نحبهم دفاعاً عن الوطن لا يسلمون للعدو.. رحمة الله على كل شهيد أخلص النية لا لشىء إلا الوطن فى 1952 وفى 2011 وفى كل وقت ويبقى المبدأ عيش حرية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية.
أستاذ بطب قصر العينى