ألم أقل لكم إن خناقة شيرين وعمرو دياب ليست إلا صورة من حالنا.. فهل من مدرك؟!
كان الحديث الأبرز فى الشارع والبرامج ومواقع التواصل الاجتماعى، وحتى فى الجلسات العائلية فى مصر طوال الأسبوع الماضى، هو حكاية المطربة شيرين وعمرو دياب، ومعايرتها له فى حفل خاص بكبر السن وأنها راحت عليه، وانقسم الناس ما بين قليل من المدافعين، وكثير من المهاجمين، ولم يرد عمرو قولًا، لكنه رد بنشر صوره على موقعه وهو يمارس الرياضة بلياقة غير متوفرة لشاب فى العشرين، ولم يكن من بد بالنسبة لشيرين إلا أن تنشر هى الأخرى على موقعها الرسمى اعتذارًا تقول فيه إنها كانت «بتهزر»، ثم دخل عمرو أديب كأحد أشهر مذيعى البرامج الليلة على الخط، وأعلن أن شيرين اتصلت به لتتبرع بمليون جنيه لأعمال الخير ومستشفى أبوالريش للأطفال، لأنها أدركت أنها مؤثرة فى المجتمع، وتريد أن تعطى نموذجًا جيدًا!
ذلك ملخص أتمنى ألا يكون مخلًا، ولكن لا تظن أننى أشير لهذه الحكاية من منطلق النميمة الاجتماعية، أو من باب التقييم الفنى لشيرين مقابل عمرو دياب، أو غيرها من التقييمات الفنية.
بل أعتقد أن تلك القصة تحمل كثيرًا من ملامح المجتمع المصرى الآن، وللأسف أغلبها ملامح تشى بأمراض اجتماعية تتعدى تطاول فنانة على زميلها، أو رد كيد بكيد، فهذه الواقعة تحمل عدة ملامح مرضية:
أولاً: صار احترام الخصوصية منتهكًا بصورة كبيرة بلا تقدير، وحمى «اللايك» أو التتبع على مواقع التواصل الاجتماعى تدفع الناس لأى تجاوز بلا قانون وضعى أو أخلاقى، فمن صور هذا المقطع هو صديق مدعو لفرح، وهو ليس مُذاعًا على الهواء مثلًا، وهذا لا يعطيه الحق فى نشر ما حدث فيه، ورغم هذا نشر دون إذن أو حتى دستور يا أسيادنا، فكل اختراق صار مباحًا، ولمَ لا فهل هناك أحد يُحاسب على نشر ما لا يجب أن ينشره.
ثانيًا: صراع الأجيال صراع قديم قدم تاريخ البشرية، لا أنفيه، وله أشكال كثيرة وأمثلة عديدة، ولكن فى مصر وحدها آفة بدت مستفحلة منذ ثورة يناير، حيث حدث شرخ عميق بين الأجيال، بدا وكأنه حول هذه الثورة، ولكنه كان أعمق من ذلك كثيرًا.
ثورة قالوا عنها ثورة شباب، وهى لم تكن كذلك خالصة، ولكنها عُرفت بهذه التسمية على كل حال مما دفع كثيرًا من الشباب، بعيداً حتى عن مضمار السياسة، للتطاول على الكبار عنهم وليس مجرد الاختلاف، ولا أستطيع أن أنسى مشهدًا رأيته وسمعته بنفسى فى إحدى لجان الانتخابات، حين سألت شابة صغيرة سيدة عجوزًا وقورًا عمن ستنتخبه، فردت عليها السيدة وبدا أنه ليس اختيار الشابة الصغيرة، فقالت لها: «وجايه ليه ما تروحى تموتى أحسن»!، وكأنها تحرمها حقها فى الاختيار لمجرد أنها عجوز، وكان لسان حال العجوز يقول «عيرتنى بالشيب وهو وقار».
ولم يكن الكبار فى مصر أكثر حكمة، فهم يرون فى الشباب النزق والخطيئة والغرور والخيبة، وغالبيتهم يعيرونهم بصغر سنهم، وهنا يكمل الشباب النصف الثانى لبيت الشعر الأول ذاته «ليتها عيّرت بما هو عار».
وانتقلت صورة الصراع بهذا الشكل السلبى لكل مناحى الحياة فى مصر، فلم يعد لكبير قيمة، ولم يعد لصغير فرصة إلا بقتل الكبير.
ثالثًا: لا أريد ولا أرضى أن أكون مفتشة فى ضمائر البشر، فشيرين تبرعت لعمل الخير بمليون جنيه، ولكن ألم تدرك قبل الحملة عليها أنها كما كانت مؤثرة فى المجتمع، وبالتالى تريد أن تعطى نموذجًا جيدًا، لكننا فى مجتمع يقبل خطايا يجب ألا تُغفر فى مقابل عطايا، فكم من لص للمجتمع يسرقنا، ثم يتبرع فيصير رجل البر والإحسان، ونسمع عبارة «معلش بيسرق ولكن كريم وبيتبرع»!
ألم أقل لكم إن خناقة شيرين وعمرو دياب ليست إلا صورة من حالنا.. فهل من مدرك؟!