الجدل حول القانون سببه أن ثورتى يناير ويونيو بالأساس عبارة عن
فى عهد الرئيس السابق عدلى منصور، صدر القانون رقم 107 لسنة 2013، بتنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، وبالتحديد فى نهايات عام 2013، فى غيبة الدستور وفى ظل الإعلان الدستورى الصادر فى الثامن من يوليو 2013، إبان ثورة 30 يونيو المجيدة، فصدور القانون فى هذا التوقيت أثار لغطًا وجدلًا مجتمعيًا واسعًا، فلم يؤتَ أثره ولم يتضح هدفه ومبتغاة، إلا بنهاية خارطة الطريق، واكتمال البنية السياسية والمؤسسية للدولة، بوضع دستور وانتخاب رئيس وبرلمان.
الجدل الواسع الذى صاحب صدور هذا القانون، يرجع إلى أن ثورتى 25 يناير و30 يونيو، هما بالأساس عبارة عن تظاهرات كبرى، استطاعتا بعد الصمود لعدة أيام أن تطيحا بنظامين متعاقبين، جثما على أنفاس الوطن، فكان من الصعب أن تُسلب الطلائع والقوى الدافعة للثورة، الحق فى حرية الحركة عن طريق التظاهر للرقابة على التحول الديمقراطى، واستخدام التظاهر كأداة وحيدة، فى ظل غياب المؤسسات الديمقراطية، لإيصال الرأى أو حتى الاحتجاج على قرار للإدارة الانتقالية، لتصحيح السبيل فى أوقات تستشعر فيها بالجنوح عن المسار الديمقراطى السليم. فقد يكون هذا القانون أحد العوامل الرئيسية الدافعة فى وصول الوطن لبر الأمان فى فترة كانت شديدة السيولة، وساهم بشكل أو بآخر فى تثبيت دعائم الدولة المصرية، بالقدرة على تنفيذ الاستحقاقات الانتخابية المنشئة للمؤسسات الديمقراطية الحاكمة، وهو ما كان يراهن آخرون على عدم بلوغه، إلا أننا لا يمكن أن نغفل أن هذا القانون قد حمل من أوجه السلب والانتقادات كما حمل من قدر الإيجاب، وعلى ذلك.. كانت أحد أهم توصيات المؤتمر الوطنى الأول للشباب بشرم الشيخ، فى ظل ما حققته الدولة من استقرار سياسى، هو تعديل قانون التظاهر حتى أن الرئيس قد أعلن استجابته لذلك.
وكنت قد تقدمت فى 23 من أكتوبر الماضى، أى قبل المؤتمر الوطنى الأول للشباب، باقتراح بقانون بتعديل بعض أحكام قانون التظاهر، وقد أحال مكتب المجلس الاقتراح بقانون المقدم إلى اللجنة الدستورية والتشريعية لمناقشته، وبالفعل عقدت اللجنة فى 15 من نوفمبر الماضى، بحضورى اجتماعًا لمناقشة الاقتراح بقانون، إلا أنها أخذت قرارًا بإرجاء مناقشة التعديلات المقدمة حتى صدور حكم المحكمة الدستورية العليا فى الدفع بعدم دستورية بعض مواده، ليكون الحكم بمثابة استرشاد فى إقرار أى تعديلات مقترحة، وبالفعل صدر حكم من المحكمة الدستورية العليا فى 3 من ديسمبر الماضى بعدم دستورية المادة العاشرة من القانون، وبدستورية باقى المواد محل الطعن، وبناءً عليه تقدمت الحكومة فى 10 من يناير الجارى بتعديل للمادة العاشرة فقط من القانون، ثم عقدت اللجنة الدستورية والتشريعية اجتماعًا فى 17 من يناير الجارى، وأخذ رئيس اللجنة قرارًا باستبعاد اقتراحى المقدم، وإقرار التعديل المقدم من الحكومة بتعديل مادة واحدة، بحجية دستورية باقى مواد القانون وفق حكم المحكمة الدستورية العليا.
وعلى ذلك فقد تقدمت لرئيس مجلس النواب، باعتراض كتابى على ذلك، بتاريخ 19 يناير الجارى، حيث إنه قد تم إهدار حقين، الأول حقى فى عرض مقترحات التعديل المقدمة على عدد من مواد القانون وليس مادة واحدة فقط، أما الثانى فهو حق البرلمان فى إجراء تعديلات على أى من مواد القانون، فمن غير الصحيح الدفع بأن حكم المحكمة الدستورية بدستورية مواد القانون عدا المادة العاشرة، يمنع الحق القائم للبرلمان فى تعديل أى من مواد القانون فى إطار الدستور، ووفق المقتضيات الملحة للظروف السياسية والاجتماعية والإنسانية، فالقوانين ما هى إلا مرآة لمعالجة متطلبات الواقع، كما أنه ليس المرجو من التعديل للمواد العقابية بالقانون، هو إعطاء مساحات للفوضى بالشارع، وإنما لمنظور وأسباب أخرى تتعلق بتوفير جانب من الردع العام، دونما أن ينعكس ذلك على تدمير مستقبل بعض الشباب المحكوم عليهم فى قضايا اختراق سلمى لقانون التظاهر، بأن يتحولوا إلى عناصر إرهابية ناقمة على المجتمع، بعد أن يقضوا سنوات خلف القضبان، فتدمر حياتهم لأنهم شاركوا يومًا ما فى تظاهرة.