نحتاج لوزراء صيادى حيتان قادرين على كشف الفساد ويمتلكون الجرأة لمواجهته.
تغيير الوزراء فى مصر مثل تغيير الملابس بلا استحمام، فماذا تفيد بدلة فاخرة على جسد لم يعرف النظافة منذ عشرات السنين؟ أيام ونكتشف أن لا فرق بين الرداء القديم والرداء الجديد ما لم يحدث فى الجسد البليد أى تطهير أو تطوير، فبعض الوزارات فى مصر تدار بنفس الطريقة التى أنشئت عليها منذ أيام محمد على والمماليك، وبعض الهيئات الحكومية أقرب للعصر الحجرى بنظامها المحاسبى وتدرجها الوظيفى ونظامها الأرشيفى ومعاملتها للمواطنين، لذلك فإن لعبة تغيير الوزراء لن تأتى بأى شىء جديد إلا بعض الأسماء التى ستنتقل فجأة من خانة مواطن إلى خانة معالى الوزير، ولا يستفيد من التغييرات الوزارية إلا المحظوظون من عائلة الوزير أو أصدقاؤه المقربون، ولا عزاء للمواطنين.
لا فرق بين الوزراء القدماء والجدد إلا فى الطلة الإعلامية، فحتى التصريحات متشابهة أو متطابقة كلها تبدأ بـ«ها، وسا» وتنتهى بمحدودى الدخل والفقراء والمساكين، ولا شىء يتحقق فى الواقع الحزين، فتجربتنا مع وزارات «التعليم والصحة والاستثمار والتموين .. إلخ» هى تجربة انزلاق دائم لم يرتفع فيها إلا عدد الأميين والمرضى والعاطلين والجائعين ولم يفلح تغيير الحكومات والوزراء فى وقف الانزلاق أو تصويب الأخطاء، كل الحلول التى يتم طرحها ومناقشتها ودراستها متهالكة وفاشلة وقديمة استهلكت من قبل عشرات المرات حتى شكلت فى حياتنا مصطلحات مشؤومة «المنظومة التعليمية/ التأمين الصحى/ قانون الاستثمار/ خطط الدعم»، لذا علينا أن نعترف بأن الدولة العميقة وسراديب الوزارات العتيقة أقوى من أى وزير وأبقى من أى قرار، وحجم «الرشاوى» الضخم الذى تتصيده من حين لآخر الرقابة الإدارية يؤكد أن فى بعض الوزارات والهيئات الحكومية حيتان ضخمة يمكنها بسهولة تحريك الأسماك الصغيرة وتحويل أى ضمير حى إلى ضمير بنكنوت، آخر الحيتان السوداء مسؤول كبير فى الضرائب العقارية تفحل فى عهد العديد من وزراء المالية لسنوات طويلة ولم يشعر به أحدهم وهو ينمو ويترقى و«يبلبط فى فساده»، لذلك نحتاج لوزراء صيادى حيتان قادرين على كشف الفساد ويمتلكون الجرأة لمواجهته بعد أن تفحل فى جنبات الكثير من الهيئات الحكومية، فما بين الرشوة المليونية والإكرامية المئوية والنفحة والهدية تنسحق حقوق المواطن الشريف أو الغلبان، ثم احسب كم يضيع على خزائن الدولة فى هذه المنظومة الوضيعة من جيوب القادرين وأصحاب المصالح ورجال الأعمال، فإذا لم يدرك الوزراء أهمية هذا الدور فلن تنفعهم أى إصلاحات إدارية أو تكنولوجية أو مهنية، وسنظل ندور فى حلقة مفرغة ينهبنا فيها من ينهب ويقتل فى نفوس البسطاء والشرفاء أى أمل فى الحياة، فالشريف الآن هو الضحية الوحيدة فى مصر، فكل من تربح أو سرق أو تاجر بشرفه ولو فى السكر والأرز يعيش أحسن منه، فما بالك بالمسؤولين الذين تكسبوا مئات الملايين وخزنوا فى دواليب بيوتهم ثروات باليورو والدولار والذهب.
ومها كانت مجهودات رجال الرقابة الإدارية وجميع الجهات الرقابية فلن تعطى نتائج فعالة إلا بدخول الوزراء فى هذه المواجهة والإعلان عن ذلك بشكل مباشر وتشجيع الموظفين العاملين فى الوزارة أو هيئاتها المختلفة على فضح زملائهم المرتشين بالبراهين والمستندات ومكافأتهم على ذلك، فلا اعتبار لزمالة أو صداقة فى خيانة وطن أو نهب مجتمع. كما تجب الاستعانة بجهات حسابية من خارج الوزارة، لمراجعة الأداء بشكل فعلى وليس تمثيليا كما يحدث الآن، وأن يعود إقرار الذمة المالية لكل المسؤولين الكبار والقيادات المؤثرة فى أى وزارة، وأن تشمل إقرارات الذمة المالية كل أقاربهم من الدرجة الأولى، لأن بعض أطفالهم الصغار يمتلكون ثروة عقارية تقدر بعشرات الملايين.. مطلوب وزراء سوبر لتنظيف وتطهير مؤسسات الدولة، لأن أى كلام عن تطوير أو تغيير من دون نظافة هو عبث وهراء.