بعد «25 يناير» أصبحت الأحزاب مجرد بوتيكات لا علاقة لها بسياسة ولا صلة لها بجماهير
مرت الأحزاب والحياة الحزبية فى أوروبا برحلة ليست بالقصيرة ولم تكن باليسيرة، ولكنها كانت رحلة نضال سياسى وتطورا اجتماعيا ورقيا ثقافيا وتقدما حضاريا، فالأحزاب بدأت بفكرة الجماعة التى تدافع عن مصالح العمال فأخذت شكل النقابات العمالية والمهنية، وكانت للأفكار السياسية والفلسفية للمفكرين والفلاسفة تلك الأرضية التى أصلت للفكر السياسى فكانت الماجناكارتا البريطانية وفكرة العقد الاجتماعى بين الشعب وبين السلطة وغير ذلك من أفكار كانت هى الطريق الذى أفرز فكرة الأحزاب، فكانت الأحزاب التى تتشكل من خلال القاعدة الجماهيرية التفافاً حول منهج وبرنامج سياسى يعبر عنها ويضع الحلول لمشاكلها والخطط لتحقيق آمالها، وهنا أبرز الواقع وأفرزت التجارب مقولة «لا ديمقراطية دون أحزاب ولا أحزاب بدون تعددية»، وبالتعددية والأحزاب كانت الديمقراطية.
ونحن لأننا لم نمارس أى نوع من التعددية، ولم نعرف ما الديمقراطية غير أننا بدأنا بإلغاء السخرة والعبودية والجزية عام 1855 فبدأت إرهاصات وجود أحزاب، على غرار ما تم التعارف عليه فى أوروبا، خاصة بعد الحملة الفرنسية، فتم نقل الفكرة من حيث الشكل لا المضمون ولما كنا منذ القدم نعبد الإله ونقدس الفرد ونخلط بين السلطة والحاكم ظلت الفردانية طريقاً والذاتية منهجاً، فجاءت الأحزاب مرتبطة بالفرد فتكرست الزعامة الفردية بعيداً عن الجماهير والجماعية، فكانت ومازالت الأحزاب هى الفرد المؤسس والزعيم الذى يدور حوله الحزب وجودا وعدماً، فكانت حول عرابى جماعة شبه حزب انتهت بهزيمته ونفيه، ثم كانت تجربة مصطفى كامل وقد اعتمدت على زعامته الشبابية وقدرته الخطابية التى تعاملت مع عواطف الجماهير لا عقلها فى قضايا وطنية بنكهة دينية أى تم خلط الدين بالسياسة الذى كانت له السطوة العليا، وعلى ذلك كانت هناك أحزاب مسيحية طائفية تساند الاحتلال لأنه مسيحى، فضعف وانتهى حزب مصطفى كامل وسقطت الأحزاب المسيحية الطائفية، كان حزب الوفد نتاج زخم جماهيرى رافض للاحتلال، ولكنه ارتبط أيضا بالفرد سعد زغلول، حتى أنه عند اختلاف سعد وعدلى يكن حول الزعامة كان هتاف «الاحتلال مع سعد خير من الاستقلال مع عدلى»، وهنا تظهر الفردية وخطورة الذاتية التى لا علاقة لها بالجماهير ولا الحزبية، واستمرت الحياة الحزبية حتى يوليو 1952 تعتمد على الزعامات الفردية وتحقيق مصالح الطبقات العليا ولا علاقة لها بالشعب.
ألغت يوليو الحياة الحزبية وكانت فكرة التنظيم الواحد الذى يعبر عن كل طبقات الشعب، وكان هذا أحد إفرازات الحرب العالمية الثانية بعد ظهور المعسكر الاشتراكى فى مواجهة الرأسمالى، جاء السادات بحياة حزبية مصنوعة ومصنعة على المقاس الشخصى لرؤساء تلك الأحزاب رغبةً فى إيجاد شكل حزبى بلا مضمون سياسى أو تعددى، مما جعل تلك الأحزاب فاقدة الدسم معتمدة أيضا على الزعامة الفردية، فتحولت الحياة الحزبية إلى أحزاب ديكورية ورقية تحوصلت حتى أصبحت مجرد مبرر لبعض السياسات وديكوراً لديمقراطية زائفة فلا تعددية حقيقية ولا تبادل سلطة، واستمر المسلسل بعد 25 يناير وأصبحت الأحزاب بوتيكات لكل من هب ودب لا علاقة لها بسياسة ولا صلة لها بجماهير، حتى رأينا البرلمان يعتمد على أغلبية من المستقلين لا علاقة لهم بالأحزاب الشىء الذى أفقد الحياة الحزبية نكهتها والحياة البرلمانية حقيقتها، ناهيك عن إفرازات تلك النشأة وهذه الفردية بما يحدث من انشقاقات لا هم لها سوى تحقيق الذات ومصالحها الشخصية، فلن تكون هناك ديمقراطية ولا تعددية ولا مشاركة سياسية حقيقية بغير حياة حزبية صحيحة حتى تصبح مصر دولة ديقراطية مدنية لكل المصريين.