استكمالاً لما كتبته أمس هو ما الذى يجب أن نتعلمه من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فهناك نقطة مهمة استرعت انتباهى فى خطابات ترامب وأحاديثه، وهى مرتبطة بعلاقات واشنطن بالصين وروسيا.
فالرجل يحاول أن يرسخ لمفهوم جديد فى السياسة الدولية، فكلنا نعرف مفهوم الحروب العسكرية أو التهديدات النووية، لكن ترامب اصطلح مفهوما جديدا وهو «الحرب الاقتصادية»، فمنذ أن ظهر ترامب على سطح السياسة الأمريكية وهو يطرح سؤالاً مباشراً عن أسباب استمرار العداء الأمريكى الروسى، فى حين أن العدو بالنسبة للولايات المتحدة حالياً ليست روسيا، وإنما الصين، التى يراها ترامب العدو الأول لبلاده، لذلك فإنه يريد السير على سياسة التقرب من روسيا والتفاهم معها حول الملفات الدولية المشتركة والمتشابكة والمعقدة أيضاً، حتى لا يحدث أى صدام بين الدولتين، فى حين يتفرغ ترامب للحرب الأكثر خطورة بالنسبة له ولبلاده وهى الحرب الاقتصادية التى تعد الصين رأس الحرب بالنسبة لها.
ما يهمنى فى ذلك ليس مفهوم الحرب الاقتصادية ولا مستقبلها وتداعياتها، لكن الكيفية التى فكر فها ترامب التى تقوم على منطق نعلمه جميعاً وهو أنه فى السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، فروسيا كانت بالأمس عدواً للولايات المتحدة، لكنها اليوم باتت الأقرب لها، والفضل يرجع إلى ترامب الذى اختار طريق الحوار معها لاحتواء أى خلاف سياسى، وهنا تكمن الفكرة التى نحتاج لها، وهى كيف نتعامل مع المختلفين معنا، وهل من مخرج سياسى لأى خلاف بين دول المنطقة.
إذا أخذنا منطق ترامب مع الصين وأردنا تطبيقه على منطقة الشرق الأوسط، فسنجد أن المنطقة بها أربع قوى رئيسية الآن هى تركيا وإيران ومصر والسعودية، بخلاف إسرائيل التى لها طبيعة خاصة، الدول الأربعة بينها رابط واحد هو الدين، لكن فرقتها المذاهب السياسية والدينية، فنحن أمام 3 دول سنية فى مواجهة دولة شيعية، بخلاف التناحر السياسى بينهم، لذلك فإن الحاصل الآن فى المنطقة أن الخلاف المذهبى وصل إلى مدى من الخطورة لا يمكن التكهن بمستقبلها، ويزيد من التعقيد أننا بدأنا نتعامل بمنطق المذهبية فى كل شىء، حتى فى تعاملاتنا اليومية، دون أن نفكر فى الكيفية التى نستطيع من خلالها تجنيب المنطقة بأكملها شرور الحرب المذهبية التى إن اندلعت لن تبقى أحد دون معاناة.
بمنطق ترامب يمكن أن نجنب المنطقة كل هذه الويلات إذا أعادت الدول الأربعة التكفير بمنطق تصالحى وليس تنافسيا، وأن تبحث عن القواسم المشتركة وتبتعد عما يثير الخلاف، لأنه ليس من مصلحة أحد فى المنطقة أن تنشب حرب مذهبية.