أتندر أحيانا بينى وبين نفسى أنى أمتلك لها صورا أكثر من صور أبى -رحمة الله عليه- بالطبع ليس محبة لها، ولكنها عشرات الصور المتراكمة لدى بأكثر من طلة، السمة المشتركة بينها جميعا وقار وابتسامة هادئة جعلت كل الصور متشابهة تقريبا، بعض الصور تحاول عبثا أن تسجل تطور عمرى أو أثرا لمرور السنوات على الوجه، ولكنه يمر بانسيابية هادئة يكاد ألا يترك أثرا، أو ربما تخشى السنوات أن تترك أثرها على وجه سيدة يشغل زوجها منصب الرجل الأول بالدولة، فاحتلت هى بطبيعة الحال منصب السيدة الأولى لسنوات طويلة .
بالطبع لم أسعَ يوما لاقتناء صورها، ولكنه كان اقتناء إجباريا، فصورتها المطبوعة على أغلفة إصدارت مشروع مكتبة الأسرة لسنوات طويلة حتى قيام ثورة يناير، جعلنى أمتلك عشرات الصور لها مع كل نسخة كتاب أقتنيها من المشروع، الجميع يعلمون أن مشروع مكتبة الأسرة ظهر للنور تحت رعايتها، ورغم عظمة المشروع بل أنى أعتقد أنه يكفى لهذه السيدة أن يكتب التاريخ أنها أشرفت على مشروع ثقافى بهذا الحجم والأهمية، ومع ذلك كنت أرى وقتها أن وضع صورها على الكتب نرجسية مفرطة حتى أن إشادات دكتور سمير سرحان الدائمة فى مقدمات إصدارات المكتبة كنت أراها أيضا مجاملة زائدة عن الحد، حتى أنه كتب فى مقدمة إصدارت الاحتفال بمرور عشر سنوات على تأسيس المشروع: ستظل صورة السيدة سوزان مبارك موجودة على كل كتاب وفى كل بيت تُذكر كل مصرى أن الحلم الحقيقى ليس بالمال، وليس بالتهافت على الماديات، إنما هو "المعرفة" وبدون معرفة فى هذا العصر لا يوجد وطن، وإذا فقد الإنسان الوطن فقد ذاته.. بل فقد كل شىء يربطه بهذه الحياة .
كل مشاعر الغضب من مظاهر الاحتفاء المبالغ فيها بسوزان مبارك ودورها فى دعم المشروع تلاشت بعد الثورة، بعد أن قرر القائمون على المشروع تجاهل دور السيدة الأولى سابقا فى ظهور المشروع للنور، تجاهلا متعمدا بدأه للأسف الكاتب الكبير إبراهيم أصلان عندما تولى الإشراف على المشروع، وصاغ مقدمة جديدة بعنوان مشروع له تاريخ قائلا أن مشروع القراءة للجميع -أى توفير مكتبة لكل أسرة- سمعنا به أول مرة من توفيق الحكيم فى الستينات، ثم جاء الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور وعاود التذكير بالحلم فى الثمانينات، ثم أضاف أصلان قائلا "وفى التسعينات تولى الدكتور سمير سرحان تنفيذه تحت رعاية السيدة زوجة الرئيس السابق هكذا حظى المشروع بدعم مالى كبير" وهكذا ذكر الكاتب الراحل السيدة على مضض رغم الاعتراف بدورها فى تنفيذ المشروع، وعدم اكتفائها بالحلم أو المتاجرة به دون تحقيق إنجاز ملموس على أرض الواقع، عندما أشار أصلان لدور سوزان مبارك على مضض دون ذكر اسمها صراحة، تداعت إلى ذهنى وقتها صورها المطبوعة على عشرات الكتب لدى، ولم أكن أحمل أى ود تجاهها أو ترحيب بوجود تلك الصور من قبل، ولكنى أدركت أنه لولا وجود تلك الصور، والمقدمة التى تحمل توقيع سوزان مبارك على ملايين النسخ من إصدارات المشروع لسنوات طويلة، لضاع أثر السيدة وإسهامها الكبير فى ذلك المشروع.
ورغم تجاهل "أصلان" إلا أنه كان أكثر كرما من خلفه فوزى فهمى الذى تولى بدوره صياغة مقدمة جديدة لإصدارات مكتبة الأسرة بعد توليه رئاسة اللجنة العليا المشرفة على المشروع، وبغض النظر عن التغير الهائل فى لغة الصياغة التى تحولت من البساطة الشديدة والمباشرة فى الثناء على جهود السيدة الأولى بقلم الدكتور سمير سرحان إلى صياغة أكثر طولا و أدبا على يد أصلان وصياغة أكاديمية بعيدة عن القارئ البسيط أقرب للسريالية على يد فوزى فهمى الذى لم يُشر من قريب أو بعيد إلى صاحبة الفضل فى ظهور أكبر مشروع ثقافى فى تاريخ مصر للنور.
دكتور سمير سرحان خلال الاحتفال بمرور عشر سنوات على مشروع مكتبة الأسرة قال فى مقدمة الإصدار "ستظل صورة السيدة سوزان مبارك موجودة على كل كتاب وفى كل بيت تُذكر كل مصرى أن الحلم الحقيقى ليس بالمال، وليس بالتهافت على الماديات، إنما هو "المعرفة" وبدون معرفة فى هذا العصر لا يوجد وطن، وإذا فقد الإنسان الوطن فقد ذاته.. بل فقد كل شىء يربطه بهذه الحياة.