كل الأزمات فى الحياة لها وجهان، أحدهما ظاهر يتكشف منذ البداية، ويمثل الصدمة الأولى كما يقولون، لكن دائمًا ما يكون هناك وجه آخر يأتى على مهل، ويحمل فى داخله ما خفى عنا من هذه البدايات، يحدث ذلك فى كبير المشكلات وصغيرها، ومن ذلك قرارات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب المتعلقة بمنع مواطنى 7 دول إسلامية من دخول أمريكا.
فى البداية تنبهنا جيدًا إلى العنصرية التى تصل إلى حد الكراهية فى هذه القرارات المشينة القائمة على المنع، والتى تتنافى مع الديمقراطية التى تدعيها أمريكا، ولمسنا العنف السياسى الكامن خلف هذا الأمر، والذى يفتح الباب واسعًا لكثير من التطرف والعنف فى العالم، الذى سيصيب الجميع لدرجة أنه سيهدد أمريكا من الداخل، لأنها قدمت نفسها بصفتها عدوًا لأناس يعتنقون أفكارًا معينة تخصهم، ولا تحمل ضررًا لهم، وبذلك تكون هذه الدولة التى تدعى التمسك بالقانون غير قانونية لأنها تتجاوز فكرة الاتهام والدليل والبرهان، ومعتمدة على التعميم والعاطفة.
لكن الصورة إذا ما اتسعت بعض الشىء ظهرت زوايا أخرى لها، لم نتنبه إليها منذ البدابة، من ذلك شعور المسلمين بالخطر فى أمريكا وخارجها، وهذا الخطر ليس سيئًا تمامًا كما يبدو، فهو الوحيد القادر على دفع الناس للعمل بشكل أفضل، ومحاولة الاتحاد والوقوف صفًا واحدًا فى مواجهة التربص بهم، كما أنه يدفعهم حتمًا للتكامل، وأن يعرفوا مناطق ضعفهم فيتخلصوا منها، أما مناطق القوة فيعملون على تقويتها، لا شىء يجعلنا متنبهين ويقظين وقادرين على العمل سوى شعورنا بأن هناك من يتربص بنا وبحياتنا.
جانب آخر مهم نجم عن هذه القرارات، هو التعاطف الذى ظهر من كثير من الأمريكيين، بدليل المظاهرات الحاشدة التى تشهدها ولايات أمريكية، كذلك التعاطف الأوروبى الكبير الذى لا يوافق على هذا الاستبعاد، هذا التعاطف سوف يجعل الكثيرين يسعون للتعرف على هؤلاء المسلمين الذين يخشاهم «ترامب»، فيتعرفون بشكل حقيقى على الإسلام والمسلمين، وسيعرفون جيدًا أن هناك فارقًا كبيرًا بين الإسلام والتطرف، وأن أهل الإسلام محبون للحياة والناس، ولا يبغون السعى فى الأرض فسادًا، وسيدركون تمامًا أن الإرهاب هو صناعة أنظمة وحكومات، وأن بلدهم متورطة بشكل كبير فى صناعة التطرف فى العالم، عن طريق تقوية الجماعات الراديكالية بشكل ملحوظ.
نستطيع أن نستفيد من الأزمة، وتصبح لنا مكانة تليق بنا فى العالم، إذا ما كان لدينا الوعى الكافى واللازم لدراسة هذه التغيرات، وتكوين جبهة قوية تشعر الآخرين بأننا جزء منهم فينتهى الخطر.