تنتاب البشرية منذ خلقها الخالق بصراع أبدى لا ينتهى، صراع مع الطبيعة، وصراع مع الآخر، وصراع مع النفس، إذًا فالصراع الإنسانى هو سمة الحياة، ولكن هناك صراعات عبثية، وكم فى مصر من هذه النوعية التى لا منطق فيها، وهى كثيرة، ولكننى سأشير إلى مجرد أمثلة:
صراع عمرو أديب وأبناء ماسبيرو
أشار عمرو أديب فى برنامجه، كما أشار سابقون عبر الكتابة والقول والتلميح والتصريح، لأزمة ماسبيرو، وتكلفة تلك الأزمة على كاهل دولة فقيرة، كما قال رئيسها، وكلنا ندرك ذلك، فالجريدة الرسمية قد نشرت الآتى:
«كشف قرار ربط موازنة الهيئة القومية لاتحاد الإذاعة والتليفزيون للعام المالى 2015/2016 عن ارتفاع إجمالى الخسائر العامة للهيئة المقدرة بالعام المالى الجديد إلى 4.14 مليار جنيه، مقابل 3.6 مليار العام الماضى، وبلغت جملة الأجور المقدرة 2.1 مليار جنيه من إجمالى مصروفات مقدرة بنحو 5.9 مليار جنيه، فيما بلغت موازنة الهيئة المقدرة بنحو 11.55 مليار جنيه».
إذًا أمر، لأن المنفق عليه وعلى خسائره من الموازنة العامة.
ولكن ما أن نطق عمرو أديب فى برنامجه عن هذا الأمر، حتى قامت حملة شعواء عليه من القاصى والدانى، ممن يطلقون على أنفسهم أبناء ماسبيرو، وراحوا بمنطق «ما عدوك إلا ابن كارك» يفرشون الملاية لعمرو أديب، وأهل القنوات الخاصة، ويذكرونهم بأن ماسبيرو هو الأصل، ولولا أبناؤه ما قامت هذه القنوات، وغيرها من تبريرات ليس فيها خيط من رد موضوعى، فنعم من ماسبيرو خرجت بعض الكفاءات لتطعم الإعلام الخاص، وذلك لأنه لم يكن مسموحًا فى مصر إلا بماسبيرو، وما من أحد ينكر قيمة هذا المبنى تاريخيًا، ولكن هل ماسبيرو مكتف بقناة ماسبيرو زمان، ويتعامل على أنه تاريخ مجيد، أم أنه مكان يستنزف الحاضر بحجة الماضى؟
تلك هى القضية التى يجب أن يرد عليها المدافعون، وماسبيرو كغيره ليس قدس الأقداس، وفيه من الفساد والخسارة لأموالنا ما يجعل الحديث عنه حقًا للجميع، فهل يخرج مثلًا علينا العاملون فى وزارة الزراعة ليقولوا نحن أبناء وزارة الزراعة ولا يحق لأحد أن يتحدث عنها.
الدولة الفقيرة تهدر المليارات على مشروعات إعلامية لا تؤثر ولا تربح، فمن حقنا أن نسألها، أما ولاد الكار وفرش الملايات فهذا صراع عبثى بلا طائل.
صراع الجنة والنار
فى أغلب الخناقات الفضائية وغيرها حين يتحدث، سواء أهل الدين أو غيرهم متطرفون أو وسطيون أو حتى علمانيون، وحتى على مواقع التواصل الاجتماعى، يدور الحديث والصراع حول من هم أهل الجنة، ومن هم أهل النار، ويصول ويجول الحوار ويتحول لصراع.
وهذا من نماذج الصراع العبثى، فإن الله سبحانه وتعالى قد ذكر فى كتبه كثيرًا من صفات الأتقياء أو أهل الجنة، ووسائل الوصول لها، وكثيرًا من صفات الأشرار أو أهل النار، وطرق الوصول لها، نعم ذكر الخالق عز وجل تلك الصفات ليعمل كل من البشر على أن يكون- إذا أراد- من أهل الجنة، أو أن يعمل ليكون من أهل النار، فهو دستور، ولكن لم يطلب منا الخالق عز وجل أن نقوم بدوره ونقرر سلفًا من هم أهل الجنة أنا أو أنت، أو من هم أهل النار نحن أم هم.
إن الله وحده هو صاحب القرار والأمر، فلمَ نتصارع ونحن أحياء حول أمر لا نملكه أحياء كنا أو أمواتًا؟، فقط لو أن فى هذا الصراع العبثى كلًا منا يفكر فى أمر نفسه لصارت حياتنا أقل عبثًا، لأن فيها من العبث الكثير.