منذ حوالى نيفٍ ومائتى سنة فقط حارب نابليون بونابرت نصف القارة الأوروبية و ضمها لإمبراطوريته، بعد انتصاره فى إيطاليا و النمسا و بلجيكا و بروسيا كان يشغل وظيفة الحاكم العسكرى للبلاد و قبل أن يعين قنصلاً على فرنسا كان كعادة كل مستعمر ؛ يعمل على جباية الضرائب من هذه المستعمرات و يرسلها إلى خزائن فرنسا التى كانت بالفعل خاوية ! أما حين نوى المجىء إلى مصر فحضَّر أسطولاً بحرياً ضخما وحمل معه العلماء و الرسامين و الخطاطين فهو يعلم قيمة البلد الذى يريد الذهاب إليه استغرقت رحلته على متن السفينة "الشرق" 3 أشهر، عكف خلالها على دراسة مصر و تاريخها و طبيعتها و قراءة القرآن و حين وصل القاهرة وقف أمام الأهرامات وقال لجنوده تذكروا أن ٤٠ قرنًا من التاريخ تطل عليكم، أمر نابليون الرسامين برسم كل شوارع وأزقة وأسواق مصر وأمر العلماء و الباحثين بدراسة و بحث آثارها و مواصلة الكشوفات و باكتشاف حجر رشيد فك شامبوليون رموز اللغة الهيروغليفية و حل شفرة التاريخ و الحضارة التى قال عنها "يتهاوى الخيال ويسقط بلا حراك.
تحت أقدام الحضارة المصرية القديمة "كانت رسائل نابليون لحكومة المديرين الخمسة فى باريس تسجيلاً لكنوز وخيرات و ثروات مصر ، و بعد عام عاد إلى فرنسا سرًا محملاً بكنوز مصر وخيراتها التى لا تفنى و فى متحف اللوڤر إذ حمل ٤٠٠٠ آلاف قطعة آثار مصرية و يقال ٩٠٠٠ و الجناح المصرى هو أغنى أجنحة المتحف على الإطلاق وأثمن ما جلب نابليون لفرنسا كلها و لشدة إعجابهم بالحضارة المصرية القديمة صممت ساحة المتحف على هيئة هرم زجاجى كبير و لعظمة مصر كانت البلد الوحيد الذى يحمل علمًا باسمه، و هو البلد الذى قال عنه الغازى نابليون أعظم قادة التاريخ " مصر ليست بلدًا ولكن مصر هى البلد " و للعلم يُدَرَّس لكل فرنسى فى المدرسة علم المصريات و لا نُدَرِّس نحن فى مدارسنا منه إلا النزر اليسير لا نعتز به و بتفاصيله كما يبغى له و أحللنا محلة للمرحلة الابتدائية مادة الدراسات ندرس الإنسان الحجرى و الكهوف و أساسها و الطهى و النار و نُنْسى النشء عراقة تاريخهم و ننزع من قلوبهم الهمة فى استكماله بدلاً من بث روح الحماس فى قلوبهم و تحفيزهم على السير على نهج أجدادنا العظماء وترانا نخوض مع الخائضين فى سيرة حاضرنا المهترىء رغم كنوزنا، وثرواتنا التى لا تحصى و لا تعد و لكنها كانت و مازالت نهبًا لمن نهب و يروح عليها الزمان و لا يفنى العنب و لكنا نحن و بلا عدد قد تركنا الكرم للعطب ...
فأرجوك لا تحدثنى عن الفقر و العوز فى بلد رصيده من الثروة البشرية يقترب من مئة مليون نسمة و لكن حدثنى عن إدارة كل هذه الثروة .
يقول أبو الطيب :
"نامت نواطير مصر عن ثعالبها
فقد بشمن و ما تفنى العناقيد"
يا أبا الطيب قد فنيت العناقيد و ها هى الأغصان هذلى و لم يزدنا السير فى صحراء التيه إلا تيهاً و إلا !!
* استاذ بطب قصر العينى .