أعتقد أن الأمر أصبح يحتم على القياده السياسية فى مصر ضرورة التدخل بحسم لـ (إعلان الحرب على الفساد) وجعلها معركة مفتوحة لتطهير الجهاز الإدارى للدولة والإطاحة بآلاف الفاسدين الذين امتدت جذورهم فى كل أجهزة الدولة المختلفة، لدرجة أنهم أصبحوا يديرون شبكات ضخمة تحوى آلاف من الفاسدين والمرتشين الذين لا يقلون عنهم لصوصية.
فبعد التقارير الصادمة التى أثارها المستشار جنينة، وما أثارتها من لغط خلال الأيام القليلة الماضية، قامت (هيئة النيابة الإدارية) منذ أيام، بتسليم (مؤسسة الرئاسة) عددا من التقارير الخطيرة، صادرة عن (إدارة مكافحة الفساد) بالهيئة، تحوى معلومات صادمة وتفاصيل كاملة عن (150 ألفًا و136 قضية فساد) داخل قطاعات مختلفه بالدولة، وهو ما يتعدى تفاصيل (الفساد) الذى كشف عنه المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات منذ أيام، وأثار الكثير من الجدل فى الشارع المصرى.
ولعل الجديد فى التقارير التى تم تسلمتها مؤسسة الرئاسة من (هيئة النيابة الإدارية) إنها لم تقتصر على مباشرة التحقيق فى المخالفات المالية والإدارية فقط، بل تم إرفاقها بتحليل إحصائى لكافة وقائع الفساد، والأسباب التى أدت إليها، وأوجه القصور والخلل الذى أدى إلى حدوثها، وتقديم حلول قانونية وعملية كفيلة بعلاجها، وتحديد ما كشفت عنه التحقيقات من قصور فى نصوص بعض القوانين واللوائح و التعليمات الإدارية، ومقترحات تشريعية لمواجهتها ذلك الفساد، وحلول واقعية ومنطقيه للقضاء عليه فى كل القطاعات.
ولعل أخطر ما رصدته التقارير التى تم تسليمها إلى (مؤسسة الرئاسة) فى (قطاع التعليم) ذلك العدد الهائل من قضايا الفساد التى تتعلق بصرف مكافآت وحوافز دون وجه حق، ومخالفات تتعلق بتأليف الكتب المدرسية ومناهج التعليم، وتلقى تبرعات و رسوم بالمخالفة للتعليمات، وتسريب الامتحانات، والتلاعب فى أوراق الإجابات، والتعاقد مع مدرسين بالمدارس دون وجه حق، وسرقة العديد من المدارس ومحتوياتها، ومخالفات القبول بالمدارس التجريبية دون استيفاء شروط القبول، إلى جانب 61 قضية تحرش بطالبات فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية من عدد من المدرسين.
وقدمت النيابة الإدارية للرئيس، 11 بندًا جوهريًا ترى الهيئة أنها كفيلة لتطهير قطاع التعليم من المخالفات، احتوت على مقترحات بتعديلات تشريعية، وتفعيل بعض مواد القوانين.
كما كشف تقرير النيابة الإدارية للرئيس حول (المحليات) والذى جاء فى 11 صفحة كاملة (7 آلاف) واقعه فساد فى اجهزة الحكم المحلى، تم إرفاقها بتحليل احصائى لنماذج الفساد فى مخالفات البناء، والتعديات على الأراضى الزراعية، والأسباب التى أدت إلى انتشار هذه المخالفات، والحلول العملية والقانونية الكفيلة بمكافحة كافة أوجه الفساد المتعلقة بمنظومة الإدارة، والموظف العام، والتعديلات التشريعيه المطلوب لعلاج أوجه القصور والخلل فى المحليات والزراعة.
وفيما يتعلق بـ (القطاع الصحى) قال النيابة الإدارية فى تقريرها للرئيس: (إنه قد هالها حجم التحقيقات التى تناولت وقائع الإهمال الطبى فى القطاع الحكومى، والتى بلغ عددها 594 قضية على وجه التحديد)، مؤكدة فى تقريرها، أن الفوضى العارمة التى شملت عملية إصدار قرارات العلاج على نفقة الدولة، كشفت إحدى قضاياها عن اصدار قرارات بمبالغ (253 مليونًا و740 ألف جنيه) بتزكية من أعضاء مجلسى الشعب والشورى المنحلين، لأفراد لا يستحقون العلاج على نفقة الدولة لتمتعهم بنظام علاجى آخر، ودون العرض على اللجان الثلاثية بالمستشفيات، طبقًا لأحكام القرارات المنظمة لعمل المجالس الطبية، الى جانب مخالفات تتعلق بالتلاعب فى منح الإجازات المرضية من التأمين الصحى، وغيرها من وقائع الفساد.
وأوصى التقرير، بإصلاح منظومة العلاج على نفقه الدولة، وتفعيل وتنظيم العلاج المجانى بالمستشفيات والمراكز الحكومية، ومراعاة أن يكون العلاج على نفقة الدولة مقصورًا على غير القادرين الذين لا يستطيعون دفع تكاليف العلاج للحالات المرضية التى يتطلب علاجها مبالغ ضخمة، كعمليات زرع الأعضاء، ووضع بروتوكول يحدد أسعار التعامل مع المستشفيات الحكومية والمستشفيات الخاصة، يكون ملزما لجميع الأطراف ولا يجوز تجاوزها، مع إعادة النظر فيها كل فترة زمنية.
تقارير الفساد فى مصر بالفعل مذهلة، وتستحق تدخل حاسم من القيادة السياسية للضرب بيد من حديد لاقتلاع الفساد والفاسدين من كل مؤسسات الدولة، ولاسيما وان الارقام التى تحدثت عنها الأجهزة الرقابية فى مصر بالفعل مخيفه وتثير قلق الجميع، خاصة فى ظل العجز الرهيب فى الميزانية، ونقص الموارد، والمشروعات القومية الضخمة التى تم طرحها، والدين الداخلى الضخم الذى تعدى الـ (ترليون) جنيها.. وهو ما يستلزم بالفعل حربا من القيادة لتطهير أجهزة الدولة من الفساد والفاسدين، الذين وصلت انحرافاتهم إلى رصد 150 ألف قضية فساد فى عام واحد.
وما خفى كان أعظم ..