* العهدان أسسا لقاعدة خلط الدين بالسياسة وجلبا الكوارث على مصر
رسائل الملك أمنحوتب الرابع الشهير بـ«إخناتون» الذى كان يحكم مصر منذ ما يقرب من 3383 سنة، وأيضا فترة حكم المعزول محمد مرسى الذى تولى مقاليد الأمور فى غفلة من الزمن، تكشف سيناريو قريب الشبه بين العهدين إلى حد التطابق، وكأن التاريخ يعيد نفسه.
العهدان أسسا لقاعدة الحاكم المتدثر بعباءة الدين، والمهتم فقط بأمور العبادات، أكثر من اهتمامه بشؤون البلاد داخليا وخارجيا، وخاضا معارك دامية مع معارضيهما، وضعت مصر على خندق الاضطرابات والقلاقل.
إخناتون دشن عهده بالانقلاب على كهنة آمون رع فى طيبة «الأقصر» وخاض معهم معارك ضروس، دفعته إلى مغادرة طيبة وتأسيس مدينة تل العمارنة بمحافظة المنيا للتبشير بديانته الجديدة «أتون رع»، وظل يتعبد فى معابد الشمس تاركا إدارة شأن البلاد داخليا وخارجيا يقتسمها قادة جيوشه وبلاط قصره مع والدته الملكة «تى»، ما أدى إلى تشتت القرارات وتقسمت مصر حينذاك داخليا ما بين كهنة آمون رع الذين حكموا طيبة، وبين الملك الشرعى الذى انشغل بفلسفته وإصلاحاته الدينية، وحينها مصر كانت إمبراطورية مترامية الأطراف، من أعالى النيل والنوبة أفريقيا، وبابل وبلاد الشام آسيوياً.
ولم يستجب إخناتون للرسائل التى بعث بها إليه حكام الإمارات الآسيوية فيما أطلق عليها رسائل تل العمارنة التى تعد أرشيفا ملكا رائعا يؤرخ لمرحلة تاريخية هى الأبرز فى تاريخ مصر ومكتوبة بالخط المسمارى، يستجدى الأمراء فيها الملك بسرعة التحرك وإرسال جيش مصر القوى لإخراس الأصوات التى تنادى بالانفصال عن جسد مصر العظيم.
وعندما أصابهم اليأس لجأوا إلى الملكة «تى» والدة الملك إخناتون وطالبوها بضرورة سرعة التحرك وتصحيح مسار السياسة المصرية الخارجية التى انهارت فى عصر الملك المنغمس بأمور الديانة الجديدة، وانشغاله بصراعه المرير مع كهنة آمون رع، وتُذكر الرسائل الملكة «تى» بمدى تأثير ظهور الجيش المصرى على المنطقة أيام الملك العظيم تحتمس الثالث، وكيف كان مجرد ظهوره يخمد الفتن ويبطل الصراعات بين هذه الإمارات، وتحذر من غيابه، وأنه سيؤدى إلى انهيار الإمبراطورية، وانفصال الجزء الآسيوى عن مصر.
مضمون رسائل تل العمارنة، تؤرخ لفترة تاريخية، تتشابه إلى حد التطابق مع مرت به مصر من أحداث فى عهد المعزول محمد مرسى فى نهاية 2012 وبداية 2013 الذى دشن عهده بخلافات مع جميع معارضيه، وركز على الظهور فى المساجد وإلقاء الخطب الدينية لإلهاب مشاعر أتباعه، وأعطى ظهره للمؤسسات، واستعدى الجيش والشرطة والقضاء والأحزاب بجانب الانتقام من خصومه السياسيين والشخصيات العامة، وحرض ضد العائلات واختص 33 عائلة مصرية كبيرة، ودشن لمرحلة الإقصاء، وأخونة الدولة، وسيطرة فصيل واحد على مقدرات البلاد، الأمر الذى فجر بركان الغضب بين التيارات المختلفة وظهرت اعتراضات واعتصامات لأجهزة مسؤولة، كما أطلق يد مكتب الإرشاد ليدير الدولة.
أما السياسة الخارجية فى عهد المعزول، فلم تختلف كثيرا عن الأوضاع المعقدة داخل البلاد، فقد شهدت توترا بالغا مع دول عربية شقيقة أبرزها دول الخليج، باستثناء قطر، واستمرار غياب دور مصر فى أفريقيا، واستعدى دولا شقيقة تمثل عمقا استراتيجيا للأمن القومى المصرى، مثل سوريا، ومنح الشرعية لجماعات وتنظيمات إرهابية تسيطر على الأوضاع فى سيناء، وليبيا. رسائل الملك إخناتون وكوارث المعزول محمد مرسى، تكشف حقيقة ناصعة، وواضحة وضوح الشمس فى كبد السماء، أن الحاكم الذى يخلط الدين بالسياسة، ويتدثر بعباءة خليفة المسلمين، يجلب كل الكوارث للبلاد، وكان نكبة هددت وجود مصر فوق الخريطة الجغرافية.