إن عناصر أى نظام اقتصاد حر تقسم ـ ونحن بصدد تحليله ـ إلى معطيات ومتغيرات. وأهمية هذا التقسيم ترجع إلى إمكانية تحديد العلاقات الفنية فيما بين معطيات الاستثمار ومتغيرات الإنتاج.
وللتوضيح نجد أن علم الاقتصاد اتخذ معطياته من العلاقات الفنية فيما بين الاستثمارات المختلفة، والتى صاغها فى معاملات فنية، وأهمها معامل الإنتاج ، ورأس المال ، ومعامل متطلبات الطلب النهائى فى الاقتصاد . وتوصل هذا التقسيم إلى ثبات هذه المعاملات المختلفة ، واعتمد عليها فى قياس المتغيرات التابعة من المتغيرات المستقلة ( أو العكس). وعليه أسس التحليل على متغيرات مستقلة ومتغيرات تابعة.
ومن هذا المنطلق العلمى وبنظرة على حال الاقتصاد المصرى الآن ، تجد أن نموذج الاقتصاد المفتوح ( أو الحر ) من الطلب النهائى (أى الطلب على الانتاج النهائى للسلع والخدمات ) هو المتغير المستقل . ونعتمد على هذا الطلب النهائى فى أمرين عند وضع السياسة الاقتصادية الحالية؛ أولهما قياس حجم الانتاج الكلى والتشغيل الكلى فى الاقتصاد فى العام الواحد ، أو فى فترة الخطة القومية ولتكن من خمس إلى عشر سنوات مثلاً . وثانيهما ؛ رسم سياسة اقتصادية تدخلية ، أى للتحكم فى مستوى الانتاج القومى عن طريق التأثير فى الطلب النهائى من خلال الأدوات المالية والنقدية التقليدية. ففى تعبير متكافئ ، تجد أن حجم الإنتاج والتشغيل فى أى نشاط اقتصادى يتوقف على حجم الطلب النهائى من هذا النشاط ويقاس على أساسه.
ويقابل "الطلب النهائى " ، فى الاقتصاد الاقتصاد الحر ، المتغيرات المستقلة والتى تنتهى بأن تشكل ما يعرف "بالطلب الكلي" وإذا ما قارنت الطلب النهائى بالطلب الكلى ، تجد أن الطلب النهائى على أى نشاط اقتصادى مرتبط بالناتج الاجمالى فى أى استثمار عن طريق معامل فنى يبين الكمية المطلوبة من كل منتج اللازمة للنشاط الاقتصادى موضوع الطلب النهائي. وعلى الرغم من أهمية هذه العلاقة الفنية إلا أنها تحليل ناقص فنياً .
وذلك لما تدلنا دراسات الاقتصاد الحديث "للطلب الكلي" من مشاكل الطلب كمتغير مستقل وليس تابع كما هو الحال فى النموذج المصري. غير أن هذا القصر فى النموذج يمكن أن يطبق فقط فى حالة الأنشطة الاستثمارية الخاصة ولا يجوز تطبيقه فى الاستثمارات العامة للدولة .
أما فيما يخص الموازنة بين " الطلب النهائى " والطلب الكلي" نجد أن الطلب الكلى يرى إلى مجموع أموال الاستهلاك وأموال الاستثمار دون تفرقة بين كل نوع من هذين النوعين من السلع المكونة له أمام الطلب النهائى والذى لا يشتمل على كل السلع ، بل ينحصر فى سلعة واحدة بعينها وبالاضافة إلى ذلك هو جزء من الطلب الكلى على سلعة السلع الكلية فى الاقتصاد.
وهذا الفرق بين "الطلب الكلي" و"الطلب النهائى " هو فرق منطقى ، بحيث يهدف إلى الفصل فى التحليل بى علاقات العمل الانتاجية ، ولذلك يصلح الطلب الأول للتطبيق على نشاط القطاع الخاص لأنه يقيم العلاقة بين الاستثمار وكل الاستثمارات المشابهة له ، مما يقتضى إقامة العلاقة الفنية بين منتج هذا الاستثمار وكل طلب من الطلبات النهائية على مختلف الاستثمارات الأخرى فى مجاله.
بينما تجد أن تحليل الطلب النهائى ، لا يواجه العلاقات فيما بين الاستثمارات المختلفة بل يأخذ القطاعات الانتاجية كوحدة واحدة ، ولذلك فإنه لا يهدف إلى بيان العلاقات القائمة فيما بين الوظائف مثل الانتاج والاستثمار والادخار والاستهلاك مما يسمح بالطلب الكلى وهو أساس حل مشاكل الاقتصاد القومي. وهو ما يصلح للتطبيق فى وضع السياسة الاقتصادية العامة للدولة.
وعلى كل حال ما تقدم ، أردت أن أوضح الفرق بين ما يعرف بالطلب النهائى والطلب الكلى ، حتى تصبح الرؤية واضحة أمام صانع القرار الاقتصادى فى مصر عند وضع السياسات أو تقييم أداء المؤسسات الاقتصادية معتمداً على معيار الطلب الكلى لا الطلب النهائى الذى يخص القطاع الخاص لا الدولة فى سياساتها العامة.
* أستاذ الاقتصاد السياسى - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة .