فى عام 2013 وأثناء حكم الإخوان كتبت مقالاً طرحت فيه سؤالاً افتراضياً، وهو: ماذا لو أغلقنا ماسبيرو؟، كان هدفى يومها عرض قناعتى أنه لا مستقبل لماسبيرو دون إعادة هيكلة وإصلاح شامل واستقلال تام عن الحكومة، أى حكومة، وبالتالى فإن التحايل على هذه الصيغة يقود مباشرة إلى إغلاقه، لأنه لن يستطيع أن ينافس أو يؤثر، وسيتحول إلى أداة دعائية فاشلة للحكومة، لا يشاهدها أو يستمع إليها أحد، وستتضخم خسائره وفضائحه. يومها عاتبنى كثير من الزملاء والأصدقاء فى ماسبيرو، لذلك أوضحت لهم فى مقال ثان أننى لست ضد ماسبيرو، لأنه مؤسسة وطنية عظيمة، نشأت واستمرت بأموال الشعب، وكانت ولا تزال مدرسة لتخريج معظم الإعلاميين فى مصر، علاوة على أن ماسبيرو كان شريكًا أساسيًا للقوات المسلحة فى كل معارك تحرير الأرض والدفاع عن الأمن القومى.
والتطوير الذى أقصده هو إلغاء ودمج كثير من الإذاعات والقنوات التى لا جمهور لها، بحيث يصبح ماسبيرو أقل وأصغر، لكن أكثر فاعلية وتأثيرًا، وقدرة على الحركة والتطوير ومجاراة التطور السريع والمتلاحق فى تكنولوجيا الاتصال وصناعة الإعلام، وبالتالى يكون قادرًا على المنافسة والحفاظ على ما تبقى من القوة الناعمة لمصر. أما الإبقاء على ماسبيرو بدون تطوير فهو جريمة فى حق الوطن وجريمة أخلاقية ومهنية.
اليوم وبعد مرور قرابة أربع سنوات، ما زال ماسبيرو مقيدًا ومهمشًا نتيجة غياب الرؤية، فضلاً عن غياب الإرادة والإدراك لدى الحكومة لدور ومكانة إعلام الخدمة العامة، الإعلام الذى عرفته الكثير من دول العالم ويعتمد على تمويل الشعب، لذلك هو لا يعمل فى خدمة أى حكومة أو نظام، وإنما يعمل وفق القواعد الإعلامية المهنية مثل التوازن والدقة وعدم التسييس، وعرض كل وجهات النظر فى المجتمع، ويدافع عن المصالح العليا للوطن.
للأسف الشديد حرصت الحكومات المتتالية بعد 30 يونيو على تقزيم وحصار ماسبيرو، لكن من دون رؤية، فتوقفت التعيينات تقريبًا تحت دعوى أن ماسبيرو لديه عمالة زائدة عن الحاجة، وتراجعت أعداد العاملين فى ماسبيرو من 44 ألف كما كان يقال قبل أربع سنوات، إلى حوالى 22 ألفًا نتيجة خروج آلاف العاملين إلى المعاش، ومن المتوقع فى منتصف 2018 أن تنخفض أعداد العاملين بماسبيرو إلى حوالى 17 ألف موظف، معظمهم من الإداريين، بينما قد لا يزيد عدد العاملين فى إنتاج البرامج عن ثلاثة آلاف!.
وهذه الأرقام قد تكون مريحة للعقل البيروقراطى، لأنها تعنى انخفاض فى الرواتب والتأمينات، لكنها كارثة تهدد وجود ومستقبل ماسبيرو وقدرته على العمل والإنتاج والمنافسة، لأن أغلبية العاملين فى ماسبيرو فوق سن الخمسين، ويشغلون بحكم سنوات الخبرة درجات إدارية رفيعة، كمدير عام وغيرها من المناصب التى تحول بينهم والعمل الميدانى.
باختصار أصبح ماسبيرو جيشاً من الجنرالات بلا جنود وبلا شباب، والأخطر أنه جيش بلا أسلحة حديثة أو خطط، فقد توقفت تقريبًا خطط وعمليات الإحلال والتجديد للأستوديوهات والأجهزة والكاميرات، فى ظل عصر تتجدد فيه تكنولوجيا صناعة التليفزيون والبث كل عدة أشهر، واقتصرت ميزانية هذا الجيش على صرف الرواتب والصيانة وبعض الأمور الفنية الضرورية. القصد أن ماسبيرو خرج من المنافسة تمامًا كما خرجت مصانع القطاع العام من منافسة القطاع الخاص والسلع والبضائع المستوردة.
لابد من تطوير ماسبيرو ودعمه ماديًا وبشريًا وفنيًا، ولن تخترع مصر العجلة من جديد، فهناك تجارب دولية كثيرة ترسم خرائط طريق واضحة لتحويل إعلام الدولة إلى إعلام خدمة عامة، وهناك أفكار وخطط مصرية مطروحة منذ سنوات، بعضها طرحه أبناء ماسبيرو، لعلاج مشكلات التمويل وسوء الإدارة، واستعادة القوة الروحية والمعنوية لماسبيرو. والمهم أن تستمع الحكومة وتعمل بجدية وبسرعة وفق رؤية وإستراتيجية عامة للتطوير، والأهم أن تتخلى الحكومة عن بعض الأفكار القديمة عن إطلاق قنوات أو إذاعات تحقق أرباحًا، لأن إعلام الخدمة العامة فى كل العالم يموله دافعو الضرائب، ولا يسعى لتحقيق أرباح، وإنما هو إعلام مسئولية اجتماعية، يخدم مصالح الشعب، ويعمل على بناء عقول ووعى عام وذائقة فنية لدى المواطنين.