اهتم علماء الوراثة المعاصرون بجمع معلومات كثيرة جدا من مشاهداتهم وتجاربهم العديدة وتناولهم الأجنة بالتجارب التى تغير من تركيبها تغيراً فجاً يختلف تمام الاختلاف عن التغييرات الدقيقة التى تحدثها فيها القوانين البيولوجية .
ومن أثر هذا العلم الغزير أن قامت نظرية الجينات ( جمع جين) وهى أن فى كل خلية حبات مرصوصة رصاً منتظماً كل حبة منها مسئولة عن صفة من صفات الكائن الحى، وأن فى الإنسان مثلاً ما يقرب من ألف وخمسمائة صفة قابلة للوراثة يمثل كل منها جينا بعينه. ولا نزاع فى صواب المعلومات التى تقوم عليها هذه النظرية المؤكدة علمياً. ولكن اعتقد أنها ستعدل تعديلاً يخرج منها كلمة الصفات ، فلا يقال إن للطول جيناً خاصاً، ويخرج منها أيضاً أن الجين حبة مادية .
ولو أننا اتفقنا أن التركيب النهائى لجسم الإنسان يتوقف على التنظيم الخاص الكيميائى أو الالكترونى داخل الكروموزومات ، وأن هذا التنظيم ثابت بحيث إن التأثير فى جزء منه يؤثر على ما حوله على نحو خاص .
ولو اتفقنا أيضاً على أن "الجين" تعبير مادى عن وضع خاص داخل الكروموزوم لكانت النظرية معقولة ومقبولة لدى العامة والعلماء . ولكن ليس هناك جيناً للطول ، والأصل أن هناك ترتيباً فى الكروموزومات ينتهى إلى خلية النمو فى العظم وعلى تركيب هذا الجزء الخاص تتوقف قدرة العظام على النمو فإن كانت كبيرة كان الطول وإن لم تكن كان القصر ، وبذلك يتحقق معنى الجين دون أن نفرض وجود جزئية لصفة الطول.
ولعل حدة الخلاف بين من يؤمنون إيماناً جازماً بالجين ومن يؤمنون بأثر البيئة تخف كثيراً إذا قبل هذا الوضع لنظرية الوراثة. لأن التركيب النهائى للكائن الحى يتوقف على العوامل التى تؤثر فى الخلايا النهائية عند انتهاء نموها. وهذه العوامل أكثرها تركيب خلقى ولكنه يتأثر إلى حد ما بما تكون عليه الظروف المحيطة بهذه الخلايا ، إذا كانت هذه الظروف من النوع الذى يؤثر فى تركيبها ، والغلبة فى النهاية بالطبع للتركيب الداخلى الخلقى (الذى صنعه المولى عز وجل) فى أكثر الحالات.