ليس من المنطقى أن يأتى الإرهاب ويضربنا لنتبادل ضرب بعضنا البعض بعد ذلك
من علامات الفخر فى تاريخ المصريين أنهم كانوا يتجمعون ويتلاحمون فى أوقات الأزمات والشدائد، ولكن الواضح أن علامات الفخر أصبحت الآن من «الفشر»، فالتراحم والتلاحم فى الأزمات تحول إلى خناقات ومعارك تخلق مشاكل أصعب وأشد، فكلما ضرب الإرهاب القذر إخوانا المسيحين، تحولت القضية من مواجهة الإرهاب إلى فتنة طائفية، فتجد بعض المسيحيين غاضبين على الدولة والمجتمع بشكل عام لاعتقادهم بأنهم هم الذين يدفعون الثمن وتجد بعض المسلمين منقلبين على الدولة والمجتمع، لأن استشهد منهم الكثيرون بلا ثمن، وتبدأ الاحتكاكات على مواقع التواصل الاجتماعى وتويتر والواتس آب ثم تنتقل إلى الإعلام ثم تعقد مؤتمرات للوفاق الوطنى بين الإخوة المسيحيين والمسلمين، وكأن المشكلة كانت فى الصراع بينهم وليس فى المصائب التى تحدث لهم. لذلك اتصور أن التخبط والخلاف فى تحليل نزوح الأسر القبطية من شمال سيناء يضر أكثر بكثير مما يفيد، لأننا لا نمتلك الصورة كاملة ولا نعرف الأوضاع والتحديات الأمنية التى تواجهها الدولة هناك، خاصة وأن الترصد بإخواننا الأقباط أصبح أقرب إلى الجرائم الفردية منه إلى العمليات الإرهابية، فأغلبهم اغتيل غدرا برصاصة قناص أو فى مواجهات دموية أو تمت مهاجمة بيوتهم وحرقها فى خسة وتوحش. فهل تمتلك الدولة الإمكانيات اللازمة لتوفير حراسة شخصية لجميع إخواننا الأقباط ترافقهم فى إشغالهم وبيوتهم!! أم نتركهم لكلاب الإرهاب يتصيدونهم بلا إنسانية، ونترك الفرصة للمتربصين بنا فى الغرب ليدعوا أن مصر لا تبالى بحياة المسيحيين أو ليعلنوا أن مصر لا تستطيع حماية أقباطها وتحتاج إلى تدخل من الخارج لحمايتهم، الموضوع معقد للغاية وشائك وعدونا فيه غير واضح المعالم ومصادر التمويل لهذه الكيانات الإرهابية متعددة ولها أهداف متشعبة، ولكنها جميعا تصب إلى الخراب والتقسيم للدولة والمجتمع وللأسف ينجحون فى ذلك ليس بسبب عملياتهم الإرهابية، بل للمهاترات التى نتبناها بعد ذلك.
فأشد ما يزعجنى هو حجم الخلافات التى تتسع بين المصريين مسلمين ومسيحيين على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، فتجد العشرات من إخواننا المسيحيين المهاجرين لأوروبا وأمريكا يوجهون رسائل نارية للدولة والمجتمع، لأنهم لا يستطيعون حماية قبطى من رصاصة غدر أو تأمين كنيسة من عملية إرهابية نعم الدولة مسؤولة بشكل أو بآخر وإن كانت لها عشرات الأعذار، لكن ما ذنب المجتمع ولماذا نلام على جرح هو فى النهاية فينا، وإذا كنت تلوم المجتمع على عدم حماية إخواننا الأقباط فلماذا لا تعود وتحميهم معا، أم أن الجلوس فى كاليفورنيا والحياة فى أمستردام لهم معكم شأن آخر.
وبالمثل إخواننا المصريين المسلمين المعارين والمهاجرين لدول النفط والخليج لم يرحمونا من لغط أحمق تحت عنوان «إشمعنا هما» أو «المسيحيين على رأسهم ريشة»، فيتندرون باهتمام الدولة بالأقباط فحينما يستشهد بعض المسيحيين فى سيناء تنقلب الدنيا وتثور الدولة ويزأر الإعلام، ولكن المئات من المسلمين الذين ماتوا فى التفجيرات أو العمليات الإرهابية التى تصيدت القبائل لا يسأل عنهم أحد، وأن كل أهالى رفح المسلمين تم تهجيرهم بلا أن يشعر بهم أحد بينما تهجير 50 اسرة قبطية قلب الدنيا رأسا على عقب، ويعاتبون المسلمين على أن بكاءهم على إخواتهم المسيحيين أكثر من بكائهم على أبناء دينهم، وأتساءل لماذا لا يأتون للبكاء معنا أم أن للخليج معهم شأنا آخر.
أنا بالتأكيد لا أعمم أو أستهين بنزوح الأقباط من العريش أو بهجرة المصريين للعمل بالخارج، وأقدر تماما أن بعضهم يزداد تواصله بمجتمعه كلما زادت المسافات، وأعرف مدى التضحيات التى يدفعها المغتربون والمهاجرون، ولكن لا شىء يعلو على مصلحة هذا الوطن، ومع احترامى الشديد فإن حسن النوايا لا يفيد، وهذه الكلمات تتحول إلى سكاكين تقطع أواصل الرحمة بين المسلمين والمسيحيين وليس من المنطقى أن يأتى الإرهاب ويضربنا لنتبادل ضرب بعضنا البعض بعد ذلك، أفيقوا يرحمكم الله وتذكروا «حِراثة الشجر تظهر من ثمرها، كذلك تَفَكُّر قلب الإنسان يظهر من كلامه».