هو والربيع إخوة، وكلما هلت بشائر الربيع تذكرته، ففى أشعاره تفوح نسائمه، جرىء مثله، قوى مثله، متفجر مثله، وجميل أيضًا، أتى إلى العالم فى بدايته، ورحل عنه فى منتصفه، تغنى له وتغنى به، وظل فى تاريخ شعرنا العربى «حالة» عصية على التفسير، جامعًا بين منتهى البساطة، ومنتهى القوة، ينظر إليه الجمهور باعتباره «شاعر المرأة» فحسب، وينظر إليه المتقعرون باعتباره شاعرًا «بسيطًا» فحسب، جماهيريًا فى وقت ظن فيه بعض النقاد أن «الجماهيرية» خيانة للفن، لكنه لم يخن أبدًا، عاش مخلصًا لمحرابه الوردى، متأملًا فى حالة السكون، فى حالة الصخب، فى حالة التردد، فى حالة الشبق، رجل كما ينبغى، يحب امرأة كما ينبغى، ثم بعد أن أعلن كفره بالسياسة العربية التى شوهت الرجل ووأدت المرأة، تاركًا خلفه ربيعًا من الشعر، مازال قادرًا على إدهاشنا.
لا وقت لدينا للتفكيرْ.
أعصابى ليستْ من خشَبٍ…
وشفاهُكِ ليست من قصديرْ…
يدُكِ المطمورة تحت يدى..
منديلٌ مشغولٌ بحريرْ…
و مفاتنُ جسمكِ لا تُحصَى…
و العمرُ قصيرْ..
نعم يا «نزار»، العمر قصير، لكنّ الغافلين الناسين المنسيين المكروبين لا يتذكرون تلك الحكمة، يستهلكون العمر فى صراعات تافهة، وحوارات فاشلة، وأزمات مفتعلة، يشوهون الربيع الآن كما شوّهوه فى وقتك، لا يدركون أن الجنة بين أعينهم، لكنهم عنها يعمون، لا يعرفون أن الحقيقة تشع من راحة جسد امرأة تعشقها وتعشقك، وأن الابتسام دليل على وجود الروح فى جسد، وأن غاية الشعراء أن يصلوا إلى ابتكار تشبيه مثلما الذى ابتكرته، واصفًا حبيبتك حينما قلت «قدماك فى الخف المقصب جدولان من الحنين»، أو حينما قلت:
عارية أنتِ .. كنَصْل السيف.
و نهدُكِ يحملنى.. و يطيرْ.
و أنا أتقلّبُ فوقَ الريش.
و أغرقُ فى وبَرَ الكشميرْ.
فأمانا .. يا أمطارَ الفُلِّ.
أمانا .. يا وبَرَ الكشميرْ.