تذكرت ونستون تشرشل، وأنا أقرأ تدوينات لأكاديميين وسياسيين سابقين، احتكوا بالسياسة لعام أو عامين، ويبدون ضيقا وتبرما ومللا، ويبدو الواحد منهم بائسا جدا، وهو يستعطف الكلمات، وتنهمر دموعه لوعة على أنه كان يحب ممارسة السياسة، ولكنه لم يستطع. بعض هؤلاء يتحدث عن السياسة كأنه «طالع رحلة»، لا يعترف بأنه هاو يمارس السياسة فى وقت الفراغ.
مع الأخذ فى الاعتبار أن الفترة ما بعد 25 يناير، كانت السيادة فيها لنجوم نجحوا فى تسويق أنفسهم وتصدروا الصورة من دون سابق أعمال.. بعضهم فاز بمقعد برلمانى، أو وزارى، ويلعب بين الأطراف المختلفة، وبعضهم كان يلعب مع الحزب الوطنى ولجنة السياسات، لكنه يكون واقعيا جدا عندما يترشح ويفوز، لكنه يبدو مثاليا بعد أن يفقد منصبه، أو الاهتمام به.
وهنا نتذكر تشرشل وقولته الشهيرة، «مررت على قبر كتب على شاهده هنا يرقد الزعيم السياسى والرجل الصادق»، فتعجبت كيف يدفن الاثنان فى قبر واحد»، السياسة، كما يفرضها الواقع، ليست لعبة هادئة، بل إنها تستقطب القادرين على المناورة، وحتى الذين يبدون مثاليين وهم خارج السلطة، يتركون مثاليتهم على باب السياسة.
لا يتعلق الأمر فقط بحالات الوزراء والنواب السابقين، الذين «يتكعبلون» فى مناصبهم، ثم يتحولون إلى الشراسة والعمق النظرى بعد المناصب، لكن أيضًا على صفحات التواصل، حيث يجد المواطن نفسه أمام آلاف الملائكة المجنحين يبكون على الأخلاق الضائعة والمبادئ المهدرة، متصورين أنهم بهذا «عمقاء»، بينما هم مجرد «زنانين» ينشرون الكآبة على سبيل الاحتياط.
ولا توجد فى السياسة حالة التأييد المطلق والمعارضة الدائمة، وهناك حالات خسر فيها السياسى المنتصر، من حيث يتوقع الفوز، ونستون تشرشل، القائد العسكرى والسياسى البريطانى الأشهر.. بالرغم من التأييد الشعبى بعد انتصار الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، خسر انتخابات 1945.. لأن البريطانيين رأوا أن من قاد الحرب لا يمكنه قيادة السلام فى البلاد.. خسر تشرشل، وسعى منافسه فى حزب المحافظين أنطونى إيدن لإبعاده، لكنه أصر وهو فى السبعين من عمره على قيادة المعارضة، وعاد بعد 6 سنوات رئيسا للوزراء.. وبعدها أعلن تقاعده.
وما علاقة بريطانيا وتشرشل، أو حتى أوروبا، بما يجرى عندنا؟.. والرد أن هؤلاء وصلوا لسياسة تداولية، بعد صراعات وحروب التهمت عشرات الملايين، وربح وخسارة.. وليست مجرد بكائيات يسجلها بعض ممن لم يمارسوا السياسة أكثر من ساعات.