كان ولدًا صغيرًا، اسمه "سند"، وبرغم حداثة عمره ولكنه كان سندًا لنفسه وعائلته، يعمل منذ الطفولة ليحصل على المال الذى يعينه على الدراسة.. ولكن أبويه كانا يأخذان منه المال ليستطيعان تلبية احتياجات باقى الأسرة! كان ذو نفس راضية، لم يعرف يومًا معنى حضن أبويه أو رعايتهما له أو انطلاقه كالأطفال وهو يشعر بالأمان لوجود السند، لم يتذوق يومًا معنى هذه الأحاسيس، لأنه كان هو سند من حوله، ولأن مشاكلهم كانت أكبر من أن يعيشوا هذه المعانى.. هو فقط يعطهم المال ويعمل أكثر وأكثر حتى يحصل على مال آخر يكفى لتلبية احتياجات تعليمه.. كانوا يطلبون منه أكثر من طاقته وهو لا يرفض، فقد وضع الله فى نفسيته الرضا التام.. فقط ينظر إليهم ببراءة، ولا يتلقى سوى دعوة واحدة منهم "روح يا ابنى إلهى يحنن طريقك".. نما سند وتنقل من مرحلة الطفولة للمراهقة للشباب للنضج دون أن يستقبل من القائمين على رعايته سوى دعوة واحدة "روح يا ابنى إلهى يحنن طريقك".
مرت الأيام والشهور والسنوات ولم يعرف سند أنه أخذ منهم أهم دعوة فى الحياة، إلا عندما رزقه الله بحبيبته "حنان" وعوضه بحبها الصادق عن كل ما مر به من أيام، فدعمته بحبها وطاقتها وأموالها حتى أصبح من أهم الرجال فى العالم.
عزيزى القارئ.. اسمح لى أن أبرر لك سبب بدء هذا المقال بهذه الحكاية، لم تكن الحكاية للأطفال، ولم تكن لتأخذك معها لعالم الخيال، ولكنها كانت ومازالت واقعًا لا محال.. فالصحة النفسية للإنسان لا يدمرها إلا الحرمان.. وحرمان البدن والنفس من ماء الحنان والرعاية أقوى من الحرمان المادى فى التأثير على أن تحيا إنسانًا سويًا نفسيًا.. ولكن كيف يجب علينا أن نستقبل هذا الحرمان؟
إن الحرمان واقع.. ولكنه متنوع.. فمن منا لا ينقصه شىء؟ ولكن كم منا يتعامل بشكل إيجابى لتعويض هذا الشىء؟
اسمحولى أن أهديكم هذه العبارة "من الآلام تنشأ الأحلام.. ومن الأوجاع يخرج الإبداع.. ينبهر العالم بالإنسان ولكنه بالأصل الحرمان" .
إن كل النجوم المتألقة الآن فى سماء كل المجالات "السياسة، العلم، الفن، المحاماة، الكتابة، الموسيقى.. إلخ".. لولا آلامهم لما كان إبداعهم وتألقهم ..
ولكن ما علاقة هذا بحكاية "سند"؟ قدمت إليكم هذه الحكاية لتعرف نقطة البداية فى أى نجاح صادق أو رزق صادق.. إن نقطة البداية هى النفوس الراضية التى تسعى لإرضاء الله.. فكلما أحسنَّا نوايانا رب العرش أهدانا من التعويض والرزق ما يبهرنا إلى آخر العمر.. فلو لم يكن سند باراً بوالديه لما نال هذه الدعوة المستجابة.. إذن لا تحزنوا على ما قسم الله، وإن كانت رؤيتك للحياة وللبشر إنها مصالح ونفاق وشقاء وظلم فتذكر أن الله عادل .
إذن لصحتك النفسية إن أردت أن تحيا بسلام فانظر لما أعطاك الله ولا تنظر لما حرمك منه.. وتذكر دوماً إن أردت الورد من البستان فابحث للصبر عن عنوان.. وإن أردت أن ترضى عنك الأيام والليالى فأكرم والديك دون أسباب أو شروط.. أكرمهما طيبين أو خبثاء، أعطاك أو منعاك، حنا عليك أو جافاك.. أكرمهما فى قوتهما وضعفهما، فى محياهما ومماتهما.. يكرمك الله عاجلاً أو أجلاً.