فى كل يوم يتبدل العالم ويتغير، وتتداخل الثقافات العالمية جميعا لتنتج مزيجا ثقافيا مختلفا عن الأصل، وخلال هذا المزج تتأثر الهويات ولا تصبح بالنقاء القديم نفسه، بل ربما تتهاوى فى طريق العولمة الكاسح لكل خصوصية، لذا علينا أن نضم صوتنا مع الدعوة التى أطلقها الدكتور فتحى صالح، خبير التراث والمدير الشرفى لمركز توثيق التراث الحضارى والطبيعى، أحد المراكز البحثية بمكتبة الإسكندرية، المطالبة بإحياء مشروع ذاكرة العالم العربى، الذى يهدف إلى توثيق وتسجيل التراث المادى وغير المادى للدول العربية.
والدكتور فتحى صالح أشار إلى ذلك، أثناء مشاركته فى فعاليات الاحتفال بيوم التراث العربى، الذى أقره مجلس جامعة الدول العربية، وأكد أن المشروع «كانت قد أطلقته جامعة الدول العربية منذ سنوات، وتم العمل فيه لمدة 4 سنوات، وكان ينتظر جنى ثماره فى 2011 بإطلاق بوابته عبر «الإنترنت»، إلا أنه توقف بسبب الثورات المتتالية فى بعض الدول العربية.
وبالطبع كانت الأحداث الجارية وأثرها هى النقطة التى اعتمد عليها الدكتور فتحى صالح فى دعوته المهمة، فقد شاهد الخطر الذى يهدد الإرث الثقافى للمنطقة العربية نتيجة تعرض الآثار للنهب والتهريب والتدمير على أيدى ناهبى الآثار والمجرمين.
وفى الحقيقة فإن المتابع للأحداث التى لحقت بالعالم العربى، فى السنوات الأخيرة، سوف يكتشف أثرها الرهيب على الثقافات العربية لدرجة أننا لو توقفنا عند كل دولة منفردة لشاهدنا قدرا كبيرا من التشويه الذى يهددنا، ولعل تدمير مدينة النمرود فى العراق بشكل تام وما يحدث فى مدينة تدمر السورية أكبر دليل على ذلك.
فكل من ليبيا وسوريا واليمن والعراق وفلسطين، تمتلك تاريخا طويلا من الحضارة، وفى الوقت نفسه تتعرض فى كل يوم لنزيف قاتل فى تراثها المادى وغير المادى، ولو لم نتداركه بالتسجيل والأرشفة فسوف يختفى كل شىء عنه، وسنصبح نادمين يوم لا ينفع الندم.
لذا علينا التحرك مبكرًا لتسجيل ورصد كل التراث العربى فى كل الدول العربية على ألا نغفل أى شىء حتى لو كان من وجهة نظرنا هامشيا، لأنه لا يوجد شىء هامشى فى التراث، فبسهولة جدا يتحول ذلك الهامشى لأمر جوهرى تدور حوله الحروب والصراعات.
وأعتقد أن جامعة الدول العربية قادرة على فعل ذلك، كذلك حتى يصبح لها دور إيجابى وحقيقى فى مساعدة العالم العربى بدلا من الخطب التى لا طائل من ورائها ولا معنى من وجودها أصلا، ويمكن للدول العربية القادرة ماديا دعم هذا المشروع المهم الذى وصل لمرحلة الضرورة.