عزيزى القارئ.. إذا كنت مسلما.. فهل شعرت بالضيق يوما لأن لك جار مسيحى ؟.. وإذا كنت مسيحيا، فهل تآمر جيرانك المسلمون يوما وتكاتفوا لتطفيشك من سكنك أو شعرت يوما بكراهيتهم لك؟.
هل قلت لإبنك عزيزى المسلم أن زميله أو جاره المسيحى كافر؟ ، وهل شعرت بالفرح والانتصار عندما سمعت أخبار تهجير الأقباط من العريش؟ ، وما تعرضوا له من قتل وتهديدات على أيدى الجماعات المتطرفة الإرهابية جعلتهم يتركون منازلهم ويفرون بأطفالهم إلى الإسماعيلية حيث استضافتهم الكنائس ، وتم تسكينهم فى نزل الشباب؟.
هل تتمنى أن تستيقظ يوما فلا تجد أثرا لجيرانك وزملاءك وأصدقاءك المسيحيين الذين تربطك بهم علاقات ود وصداقة منذ زمن ؟ وهل تحولت فجأة إلى متطرف ولم تعد تهنئهم بأعيادهم او تتبادل معهم المجاملات والزيارات؟.
هكذا يحاول البعض تفسير مأساة ومهزلة تهجير أقباط العريش، بوصف المصريين بالعنصرية وأننا نحمل تاريخا وتراثا طويلا من الطائفية.
وهكذا قام بعض من يعتبرون أنفسهم من المثقفين والمستنيرين بجلد الذات وتصوير الشعب المصرى الذى يعيش أبنائه مسلمون ومسيحيون معا عبر التاريخ وكأنه أصيب فجأة بالتطرف وانتشرت فيه عدوى الطائفية والإرهاب.
هكذا أراد بعض المزايدين تحميل ما حدث للشعب المصرى ومواطنيه وإظهاره بمظهر المتوحش الذى يسعى إلى التخلص من بعضه البعض ، والذى تسود الكراهية بين أبناءه، وكأنهم لا زالوا يتعرفون على بعضهم البعض ، أو أنه شعب مستحدث ،جاء من شتات العالم وليس شعب عريق تربط أبناءه علاقات منذ مئات وألاف السنين.
نسى هؤلاء أن المصريين يعيشون معا جيران وأصدقاء وزملاء تربطهم علاقات مودة وعشرة طويلة ، حتى أنهم كثيرا ما يتندرون بينهم على هذه الادعاءات ويتخذون منها سخريا ، وأن ما حدث فى العريش إرهاب وتطرف يتأذى منه كل المصريون.
وتناسى هؤلاء أن هذا الإرهاب نال جنودا مصريين مسلمين فى شهر رمضان وهم صائمون ، وأن عمليات النزوح والتهديد لم تقتصر على الأقباط فقط ، ولكنها بدأت منذ أكثر من عامين بنزوح أسر وعائلات بأكملها تركت منازلها من قرى التومة والزوارعة والجورة والظهير والعكور والمقاطعة وقبر عمير وأبو العراج وأبولفيتة بالشيخ زويد والخروبة بالعريش ، إلى محافظات الشرقية والإسماعيلية والقاهرة والإسكندرية ، كما تركت العديد من العائلات فى رفح منازلها وانتقلت إلى محافظات أخرى بسبب تهديدات الجماعات الارهابية ، وتعرض المدنيين للذبح والخطف والرمى بالرصاص الذى لم يفرق بين مسلم ومسيحى بحجة التعاون مع الأجهزة الأمنية ، أو تحت زعم تطبيق الحدود والشرع .
انطلق المتحذلقون ليلقوا التهم على الشعب المصرى ويوجهون له سياط الطائفية ، متجاهلين أن معركتنا مع الجماعات الإرهابية ، وليس للشعب ذنب فيما حدث فى سيناء ، وأن هذه الجماعات طاردت أيضا أبناء الطرق الصوفية وذبحت شيوخها، وأصدر تنظيم ولاية سيناء بيانات لتهديد أتباع الطرق الصوفية جاء فيه : «دماؤكم عندنا مهدرة ونجسة ولكننا ندعوكم ونستتيبكم ونرجو لكم الإسلام والهداية»
لم يسلم من هذه التهديدات حتى السيدات والمعلمات فى مدارس رفح ، حيث يعترض المسلحون السيارات التى تقلهن ويوجهون لهن تهديدات بالجلد إذا لم يحضرن إلى المدارس مرتديات النقاب وبرفقة محارمهن.
الأزمة ياسادة ليست فى الشعب ، ولكن فى الإرهاب الذى لا يفرق بين مسلم ومسيحى ، وفى القدرة على التعامل مع هذا العدو وعدم الرضوخ لأوامره ، فمن المؤكد أنه لو كان بإمكان المواطنين المصريين مسلمين ومسيحيين أن يرابطوا أمام منازل الأقباط فى العريش لحمايتها من الهجمات الإرهابية لفعلوا دون تردد ، ومن المؤكد أن هناك سيناريوهات أخرى كان يمكن أن تسلكها الحكومة والأجهزة الأمنية لوقف مهزلة نزوح الأقباط من العريش خوفا من تهديدات الإرهابيين ، كما أن هناك الكثير مما يجب أن تفعله الحكومة خلاف بعض تصريحات وزرائها التى تستخف بالأزمة أو تستفز مشاعر من تركوا ديارهم من عينة :"اعتبروا نفسكم فى رحلة " و " الشرطة لم تطلب من مواطنى العريش ترك منازلهم " و "سنوفر لكم فرص عمل فى الاسماعيلية " مما يوحى بأن هؤلاء المواطنون لن يعودوا لديارهم ، ويعطى صورة للخارج بأن الإرهاب انتصر فى هذه الجولة.