إقرار واقع:
الطبيب: سمنك فى الأكل كتير؟
المريضة «فتاة الإعلان»: لأ
الطبيب: ولا قليل؟
المريضة «فتاة الإعلان»: برده لأ
الطبيب: قومى جربى «النخلتين» الحب يرجع فى أكلتين
لم يكن الإعلان الرمضانى الشهير سوى صيغة مختلفة لإقرار حقيقة المثل الشعبى القائل بأن أقصر طريق إلى قلب الرجل معدته..
• •
النخبة: هل تعرف ما هى الممارسات الديمقراطية؟
المواطن: لأ
النخبة: هل تذهب إلى المشاركة فى الانتخابات والاستفتاءات؟
المواطن: لأ
النخبة: قوم جرب المشاركة.. أقصر طريق إلى الديمقراطية ينتهى بالمشاركة الفاعلة وليس إفيهات وانتقادات مقاعد البدلاء.
الحوار السابق ليس تخيليا، ولا يمكنك أن تعتبره مجرد محاكاة لإعلان شهير، بل هو أصل العقدة الدرامية للوضع المصرى القائم على نخبة وقوى سياسية، لا تكل ولا تمل من دعوة البسطاء للمشاركة فى الحياة السياسية، وحينما يتقدم البسطاء خطوة للأمام، ويطرقون باب المشاركة فى أى عملية سياسية، لا تأتى تفاصيلها على هوى النخبة أو القوى السياسية أو بعض النشطاء، تتبخر كل النصائح الخاصة بالممارسة الديمقراطية وحرية الرأى والتعبير، ويتحول البسطاء إلى مادة للسخرية والشفقة، ثم إلى شماعات يستخدمها الخاسرون لتبرير ضعف موقفهم.
• •
فى اللغة الفصحى يقولون «المبالغة»، واللفظة هنا «أشيك» من أن تستخدم فى وصف الوضع الهزلى الذى يصاحب أداء الأحزاب السياسية وتيارات النشطاء فى بعض القضايا الاقتصادية والاجتماعية، ولذلك ينصح باستخدام المفردة العامية «الأفورة» أو التعبير الشعبى «الابتذال ملأ الشوال»، لكى تصف حال القوى السياسية والحزبية وهى تشتبك مع الواقع السياسى والاقتصادى المصرى، انتقادات وصراخ بالجملة دون تقديم حلول، نصائح وتوجيهات وتنظيرات بلا توقف دون أن نرى أحدهم وقد شمر عن ساعديه لمساعدة الدولة المصرية، صراخ من حال السياحة وعدم القدرة على الترويج لها، وحينما تأتى زيارة النجم ميسى أو ويل سميث لا تجد منهم سوى السخرية، صراخ من الأوضاع الاقتصادية والدولار، وحينما تطلب منهم تحليلا أو نصيحة لا تجد سوى ابتسامة يعقبها رسالة مسجلة: «هو احنا اللى بنحكم»، إذن تبدو المسألة فى السلطة كغاية لا خدمة هذا الوطن، ويبدو السؤال الأهم كيف تطلب قوى سياسية أو حزب سياسة السلطة والحكم وهى لم تمهد أرضها للحصول على رضا شعبى لا يأتى سوى بالمشاركة الفعالة لحل مشاكل الوطن؟، بدلا من أن يصدر النشطاء والأحزاب السياسية جهل المواطن المصرى كذريعة لفشلهم بدلا من أن يعترفوا بحقيقة فشلهم فى المشاركة وفى تجهيز كوادر قادرة على أن تحقق لهم الانتشار الشعبى الكافى.
• •
المجتمع المصرى انقسم إلى 3 قطع.. الأولى: جسدها هؤلاء المبتذلون الذين بلغوا أقصى حدود «الأفورة» فى أن كل شىء تمام والأحزاب تمام تمام والمشكلة فى الشعب الذى لم يتعلم الديمقراطية بعد، والقطعة الثانية: جسدها الإخوان بأكاذيبهم وتشكيكهم ونشرهم للإحباط والسخرية من قدرة المواطن المصرى على الإنتاج أو التقدم، وإطلاق الشائعات والأكاذيب وتزوير الحقائق لتشويه صورة مستقبل مصر، أما القطعة الثالثة يجسدها بعض من النشطاء والنخبة المثقفة الذين اشتهروا بين الناس بدعوتهم للديمقراطية، وقداسة حرية الرأى والتعبير، ثم تم ضبطهم متلبسين بالسخرية من المواطنين حينما يخالفونهم فى الرأى، كأن يخبرك أحدهم خلى المواطن يشرب طالما ساكت عن اللى بيحصل.
تقضى الأحزاب والحركات السياسية المصرية الآن وقتها على دكة المشاهدة أو عبر صفحات فيس بوك وحسابات تويتر تسخر من كل شىء وتشكك فى كل شىء وتشكو من كل شىء، وتردد نغمة الخائبين الشهيرة: المواطن هو اللى عاوز كده، المواطن فقير وجاهل ولا يقدر قيمة الديمقراطية، دون أن يعلموا أن العزف على هذه النغمة سيتبعه سؤال ولو بعد حين، عن عمرك السياسى فيما أفنيته، إن كنت قد فشلت فى التأثير على البسطاء أو تعليمهم أو التواصل معهم؟
• •
السؤال الذى سيبقى بعد أن تنتهى حفلة السخرية من البسطاء هو: حضرتك راجل ليبرالى وديمقراطى وحاجات كتير فوق بعض، ولا تشعر بالرضا عن ممارسات الدولة الأخيرة، هل يمكن أن تخبرنا: لماذا تستبدل هجومك على الأحزاب الفاشلة والضعيفة بالسخرية من الناس التى تجعل منها شماعة؟ لماذا تسخر من الناس وتصفهم بالجهل وتجعلهم عبيدا لمجرد أنهم يخالفونك الرأى؟ أين ذهب كل كلامك عن الحرية وتقبل الآخر؟ ألا ترى أن ما تمارسه تجاه الناس فى الشوارع هو التجسيد الحقيقى لمعنى احتقار الآخر؟