يواصل الكاتب الإسلامى الشهير الدكتور عبد الرحمن عميرة بحثه عن تعامل الإسلام مع أصحاب الديانات الأخرى، وهو البحث الذى يفضح فيه ممارسات داعش من خلال تأكيده بأن كل ممارسات هذا التنظيم الإرهابى ضد مبادئ الإسلام الخالدة، التى تنادى بالسماحة والمحبة والسلام مع كل أصحاب الديانات بمن فيهم المنافقون والكفار فيقول د.
عميرة فى بحثه: من حق أهل الكتاب أن يمارسوا شعائر دينهم، فلا تهدم لهم كنيسة ولا يكسر لهم صليب، يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «اتركوهم وما يدينون» بل ومن حق زوجة المسلم «اليهودية والنصرانية» أن تذهب إلى المعبد أو الكنيسة ولا حق لزوجها فى منعها من ذلك، ومن سماحة الإسلام أنه أباح لهم ما أباحه لهم دينهم من الطعام وغيره، ما دام ذلك جائزًا عندهم ولا يتأذى به المسلمون ولهم الحرية فى قضايا الزواج والطلاق والنفقة ولهم أن يتصرفوا كما يشاءون فيها دون أن توضع لهم قيود أو حدود، ومن سماحة الإسلام أن حمى لأهل الديانات الأخرى كرامتهم وصيانة حقوقهم، وجعل لهم الحرية فى الجدل والمناقشة فى حدود العقل والمنطق مع التزام الأدب والبُعد عن الخشونة والعنف، يقول الله تعالى: «وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ» «سورة العنكبوت الآية 46» السماحة حتى فى المجادلة والنقاش والتحدث، لأن دعوة الله التى حملها نبى الله نوح، والرسل بعده، حتى وصلت إلى خاتم النبيين محمد، صلى الله عليه وسلم، هى دعوة واحدة من عند إله واحد، ذات هدف واحد، هو رد البشرية إلى ربها وهدايتها إلى طرقه وتربيتها بمنهاجه، وأن المؤمنين بكل رسالة لإخوة المؤمنين بسائر الرسالات كلهم أمة واحدة، تعبد إلهاً واحدًا وأن البشرية قاطبة تسير فى هذا الطريق.
ويقول الإمام القرطبى: قال مجاهد هذه الآية محكمة، وروى البخارى عن أبى هريرة، رضى الله عنه، قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالذى أُنزل إلينا وأُنزل إليكم».
ومن سماحة الإسلام أيضا، وحسب ما جاء فى البحث، أنه أحل الإسلام للمسلمين طعامهم والأكل من ذبائحهم والتزوج من نسائهم، يقول الله تعالى: «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ» «سورة المائدة الآية5».
يقول القرطبى: «حِلٌّ لَكُمْ» يعنى ذبيحة اليهودى والنصرانى، وإن كان النصرانى يقول عند الذبح: باسم المسيح، واليهودى يقول: باسم عزير وذلك لأنهم يذبحون على الملة، وقال عطاء كل من ذبيحة النصرانى وإن قال باسم المسيح لأن الله عز وجل قد أباح ذبائحهم، وقد علم ما يقولون، «وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ». إن الإسلام لا يكتفى بأن يترك لغير المسلمين حريتهم الدينية، ثم يعتزلهم، فيصبحوا فى المجتمع الإسلامى مجفوين معزولين، أو منبوذين إنما يشملهم بجو من المشاركة الاجتماعية، والمودة، والمجاملة والخلطة، فيحل طعامهم للمسلمين وطعام المسلمين حل لهم كذلك، ليتم التزاور والتضايف والمواكلة والمشاربة، وليظل المجتمع كله فى ظل المودة والسماحة وكذلك يجعل العفيفات نسائهم، وهن المحصنات طيبات للمسلمين ويقرن ذكرهن بذكر الحرائر العفيفات من المسلمات، وهى سماحة لم يشعر بها إلا أتباع الإسلام من بين سائر أتباع الديانات الأخرى نقول ذلك فإن الكاثوليكى المسيحى ليتحرج من نكاح الأرثوذكسية أو البروتستانية، أو المارونية المسيحية، ولا يقدم على ذلك إلا المتحللون عندهم من العقيدة.
وهكذا يبدو الإسلام هو المنهج الوحيد الذى يسمح بقيام مجتمع عالمى لا عزلة فيه بين المسلمين وأصحاب الديانات الكتابية ولا حواجز بين أصحاب العقائد المختلفة، التى تظلها راية المجتمع الإسلامى.. وغدا نستكمل النشر.