لمَّا كانت كافة القوانين تنحصر فى الفيزيائية والكيميائية، كان من المستحيل أن نفسر أشياء مثل الذاكرة أو الحب أو الضمير على أنها نتيجة لتغيرات كيميائية أو فيزيائية فى المخ لدى الإنسان.
فهذه لا يمكن أن تبلغ من الدقة الحد الذى يكون فيه كل فكرة أو إحساس معنوى ، مادة كيميائية خاصة به ، أو ضغط كهربائى خاص. ثم إن الأعمال العقلية العنيفة لم يصحبها زيادة فى استهلاك الأكسجين مثلاً ، مما يدل على أن العملية العقلية ليست كيميائية على الإطلاق.
وأيضاً من المستحيل أن نتصور إنشاء شعر جميل على أنه عمل كيميائى فيزيائي، لذلك كان حتماً على العلماء أن ينبذوا الرأى القائل بأن تركيب المخ هو أصل وظائف العقل، ثم إن العلماء قد كشفوا بعد ذلك عن قوة أخرى تستطيع أن تفسر لنا كيف يكون المخ الإنسانى المحدود الحجم المعروف تشريحه على أدق وجه كيف يكون مسرحاً للمعنويات الإنسانية التى لا حد لأنواعها ولا نهاية لتقلباتها. تلك هى القوة الالكترونية ، فقد تبين للعلماء أنه يمكن أن نؤثر فى المواد تأثيراً لا يغير من كيميائيتها ولا من فيزيائيتها ولكنه مع ذلك يرتب الكتروناتها ترتيباً ثابتاً يخزن به هذا التأثر ويستعاد عندما يراد ذلك ، وهذه القدرة لا يعرفها إلا الله عز وجل.
وأبسط مظاهر هذه القوة هو ما نراه فى شريط التسجيل أو فلاشة الحاسب الآلى ، ذلك أننا نستطيع بجهاز خاص أن نؤثر فى قطعة من المعدن تأثيراً لا يغير من كيميائيته ولا فيزيائيته وإنما يرتب الكتروناته ترتيباً خاصاً بهذا المؤثر، ويظل هذا الترتيب ثابتا ما لم يغيره عامل أقوى . ثم نستطيع أن نستعيد هذا المؤثر عن طريق الترتيب الالكترونى الخاص به والذى أحدثه من قبل. وهذه هى الذاكرة بعينها سواء عند الانسان أو المعدن.
وأكرر هنا فى النهاية أننا لا نقول بأن عمل المخ الكترونى خالص من نوع شريط المسجل أو فلاشة الحاسب الآلى ، فنحن ما زلنا لا نعلم كثيراً عن الإلكترونيات الخاصة بالمواد العضوية عامة وبمادة الخلايا العصبية خاصة ، ولكننا نقول أن الذاكرة فى مخ الانسان يمكن تفسيرها على أساس شبيه بالإلكترونيات ، والعلم عند الله سبحانه وتعالى.