تكفى صورة واحدة للحسرة على ما وصلنا إليه من عبث واستهتار واستهزاء بتاريخنا. الصورة لرأس تمثال يرجح أنه لرمسيس الثانى، وهى مغطاة ببطانية تحمل صورة شخصية «سبايدرمان» الكرتونية، وقام الخفراء بهذا التصرف بعد يوم واحد من إعلان البعثة المصرية الألمانية المشتركة عن اكتشاف التمثال، ثم تركه رأسه على الأرض، ووفقًا لجريدة «المصرى اليوم» فى عددها الصادر أمس، السبت: «صعد عليه عدد من الأطفال للهو، فيما انشغل أهالى المنطقة بالتقاط صور سيلفى معه».
ضع هذه الصورة بجوار صور أخرى حتى تعرف كم جريمة ترتكب فى حق هذا البلد وتاريخه وحضارته يوميًا، هى تحمل نفس معانى العبث لصورة رأس التمثال وهى محطمة، وتحمل معانى الإحباط لصور آثارنا وهى تحاصرها مياه الصرف، وتحاصرها كميات هائلة، ولا تختلف عن صورة بلدوزر وهو ينتشل تمثالين أثريين للملكين رمسيس الثانى وسيتى بمنطقة المطرية.
صورة الرأس وهى مغطاة ببطانية، هى من نفس جنس التعبير فى التعامل مع الآثار بغسلها بجردل وبمياه من المجارى، هى انعكاس لسطور كثيرة فى تاريخنا مزورة ومكتوبة دون أدنى ضمير ومسؤولية، ومع ذلك نتركها فتؤدى إلى تشويه وتزييف وعى أجيال متعاقبة.
صدقونى لو تأملنا كل ذلك بوعى شامل وحقيقى سنجده يقود إلى نفس المقاصد والغايات، التى يسعى إليها هؤلاء الذين يفتون فى أمور الدين دون وعى، فيهيئون نفوسًا وعقولًا للتطرف، ويقدمون الخدمات المجانية للإرهاب والإرهابيين الذين حملوا المدافع والدانات لتدمير تمثال بوذا فى أفغانستان أثناء حكم طالبان، وقاموا بنهب وتدمير آثار تدمر فى سوريا، وسرقوا ونهبوا آثار العراق فور دخول الاحتلال الأمريكى الأراضى العراقية عام 2003.
مشهد واحد من مجمل المشاهد التى مرت أعيننا عليها فى الأيام الماضية، ونقلت حال آثارنا، كفيلة بنسف كل الجهود التى نبذلها فى الخارج للافتخار بتاريخنا وحضارتنا وآثارنا، علينا أن نتخيل رد الفعل الناتج من الهوس بآثارنا الفرعونية الموجود فى الغرب، كما أنها كفيلة بعدم الثقة فيما تقوله الحكومة بأنها تبحث عن موارد غير تقليدية لرفع قيمة الاقتصاد المصرى، فإذا كانت صادقة فى ذلك فلتتعامل مع الآثار بوصفها سلعة تجذب مزيدًا من السياح بالحفاظ عليها وحسن عرضها.