أتمنى أن تبادر النقابات بالتصويت عن بعد توفيراً للوقت والمال وضماناً لتوسيع المشاركة
لم يكتمل النصاب المطلوب لانعقاد الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، وهو %50+1، وتم تأجيل الاجتماع والانتخابات لمدة أسبوعين، ليصبح الانعقاد صحيحاً بحضور %25 فقط من الأعضاء، هذا المشهد يتكرر فى أغلب انتخابات الصحفيين، وفى كل انتخابات النقابات المهنية تقريباً، مما يؤدى إلى خسائر مادية ومعنوية كبيرة، وهناك بلا شك أسباب معروفة لهذا المشهد، أهمها زيادة أعداد أعضاء هذه النقابات، وزحام القاهرة، وانشغال الأعضاء بأمور دنياهم من عمل والتزامات أسرية، ويفترض غالباً أن يؤدى ارتفاع المستوى التعليمى والثقافى إلى زيادة المشاركة، لكن يبدو أن هذا الافتراض لا يعمل فى مصر بكفاءة.
نفس ظاهرة إهمال الانتخابات تتكرر بين أعضاء نوادى الطبقة الوسطى فى القاهرة، مثل الجزيرة والزهور والشمس، وأغلبهم من المتعلمين أيضاً، لذلك أعتقد أن ظاهرة ضعف الإقبال على انتخابات النقابات المهنية أو النوادى الرياضية هى جزء أصيل من ظاهرة ضعف المشاركة السياسية، وغياب ثقافة الانتخابات بين المصريين عموماً، وقناعتى أنه من الصعب حل مشكلة ضعف المشاركة النقابية والسياسية فى مصر من خلال الوسائل المعمول بها حالياً، وأهمها الغرامة المالية أو الحرمان من بعض الخدمات، وهنا وكما أقول دائما، فإننا لن نخترع العجلة، فهناك تجارب دولية وعربية كثيرة لإجراء الانتخابات النقابية عن بُعد، ومن خلال تطبيقات الاجتماع والتصويت عبر الإنترنت، وكل المطلوب منا نقل هذه التجارب أو تمصيرها كما يقال، «هيئة الصحفيين السعوديين تطبق التصويت الإلكترونى منذ عدة سنوات فى انتخاب الرئيس وأعضاء مجلس الإدارة».
المطلوب ببساطة توفير برامج وتطبيقات ذكية، تخصص لكل نقابى أو عضو فى أحد النوادى رقماً وكلمة سر، يستطيع من خلالهما أن يثبت حضوره إلكترونياً، إذا منعته ظروفه من الحضور لمقر النقابة، ويستطيع أيضاً أن يتابع النقاش الإلكترونى للموضوعات المطروحة على الجمعية العمومية، ويشارك فيه من خلال أى منصة مرتبطة بالإنترنت، سواء كانت ثابتة أو متحركة، وهو ما يعنى أن العضو يمكن أن يشارك بواسطة هاتفه الذكى، ثم يصوت كما يشاء، وتظهر النتائج بشكل فورى، وكذلك الحال بالنسبة لانتخاب النقيب والأعضاء، وبالطبع ستظهر النتائج بسرعة ودقة، بدلاً من إضاعة ساعات وأيام فى الفرز وعد الأصوات.. إلخ.
بكلام أوضح وأبسط ستُعقد الجمعية العمومية فى مقر النقابة كما هو معمول به، ومن يريد أن يحضر اجتماع الجمعية بنفسه سيسجل حضوره فى كشوف ورقية، أما من لا يريد فإنه سيثبت حضوره إلكترونياً، ويتابع وقائع الجمعية من بيته أو من مقر عمله، ويشارك فى الاجتماع عبر الإنترنت، وتظهر أعداد المشاركين فى الاجتماع فعلياً أو افتراضياً على شاشات للجميع، وكذلك أعداد المقترعين ونتائج الانتخابات، وقد نفكر فى المستقبل فى إلغاء الاجتماع الفعلى أو المادى، ونكتفى بالحضور والمشاركة عبر الإنترنت.
ولا شك أن العقل البيروقراطى القديم والجاهل بالتكنولوجيا سيقاوم ويرفض، ويسوق حججاً واهية، مثل ارتفاع تكلفة تطبيقات المشاركة والتصويت عن بُعد، واحتمال تعرض كل هذه العملية للقرصنة والتزوير، وسيعترض البعض قائلاً: وأين رقابة القضاء على الانتخابات؟
إن كل الاعتراضات السابقة لا معنى لها، ولا تصمد أمام أى نقاش عقلانى، أو معرفة بسيطة بتطبيقات وبرامج المشاركة والتصويت عن بُعد، التى تطورت كثيراً، ويمكن استعمالها بتكلفة محدودة، مقارنة بالتكلفة الحالية لدعوة الجمعية العمومية لأى نقابة مرتين، فضلاً عن تكلفة الدعاية الانتخابية للمرشحين، والوقت والجهد الذى يبذله أعضاء كل نقابة أو نادٍ، ولا شك أنه يمكن حماية التصويت الإلكترونى، ومنع أى محاولات للاختراق أو التلاعب به «ملايين المصريين يتعاملون مع البنوك عن بُعد»، ويمكن أن تتم كل العملية من خلال رقابة قضائية مستقلة، ويمكن للقاضى الاستعانة بخبراء فى تكنولوجيا الاتصال والتصويت عن بُعد، بما يضمن رقابة القضاء.
رسالتى أن تبادر النقابات المهنية والنوادى الاجتماعى بتطبيق الانتخابات والتصويت عن بعد، توفيراً للوقت والمال، وضماناً لتوسيع المشاركة، ودعما لثقافة الانتخابات، وأتصور أن نجاح هذه العملية قد يشجع على تحويل انتخابات المحليات والبرلمان والانتخابات الرئاسية إلى انتخابات ذكية عن بُعد، يشارك فيها المتعلمون، ومن لديهم القدرة على استخدام شبكة الإنترنت، أما الأميون تعليمياً وشبكيا، فعليهم زيارة مراكز الاقتراع، التى ستكون فى حدود %40 مما هى عليه حالياً، ما يعنى توفير حوالى %60 من تكلفة إجراء الانتخابات، والأهم زيادة مشاركة المصريين فى أى انتخابات مقبلة.