كيف لطفل جائع فقير أن يحلم بقطعة شيكولاتة، وكيف لأب ينهكه البحث عن لقمة عيش تسد جوع أطفاله فى ظل غلاء الأسعار أن يفكر فى تحقيق هذا الحلم الصغير؟
سؤال نطرحه مع الضجة والجدل الذى صاحب قضية سرقة أب لقطعة أو قطع شيكولاتة من أحد المحلات الشهيرة، والتى تباينت فيها الآراء ما بين التعاطف مع الأب، الذى أكد أنه تحت إلحاح طفله اضطر لسرقة قطعة شيكولاتة، وما بين اتهامه باعتياد السرقة ومحاولته استدرار العطف، ومن أكد أن الواقعة تحت أى ظرف لا تبرر السرقة وتستوجب عقاب الأب ومحاكمته بدعوى أن من يسرق قطعة الشيكولاتة يتساوى مع من يسرق قطعة أرض فى الساحل.
ورغم الضجة المثارة حول هذا الموضوع، وأيا كانت دوافع الأب المتهم الذى قررت النيابة إخلاء سبيله بضمان محل إقامته وإحالته لمحاكمة عاجلة تنظرها المحكمة فى 20 مارس الحالى، إلا أن هذه الواقعة تدعونا للتأمل فى أحوال الملايين ممن لم يسرق أى منهم قطعة شيكولاتة، ولم يفكروا فى الأساس فى هذه السلعة الاستفزازية.
آلاف الأطفال يلهيهم عن التفكير فى الشيكولاتة معدة خاوية تصبو إلى لقمة عيش أو وجبة تسد الجوع، يعرف كل منهم معاناة والديه وقدراتهما وفقرهما وقلة حيلتهما، فلا يجرؤ أن يطلب هذا الطلب من أم عادت لتوها من السوق تحمل خيبة الرجاء بعد أن فشلت محاولاتها فى شراء ما يكفى قوت يوم أطفالها من أبسط المواد الغذائية وبواقيها، بعد أن أصبحت وجبات كالمسقعة والعدس والفول عزيزة على الكثيرين بسبب فحش الأسعار.
كيف لطفل يحلم بالشبع بعد أن يتسابق يوميا مع إخوته للحصول على لقيمات من طبق ينفد ما فيه قبل أن تشبع نصف البطون، أن يفكر فى هذه الرفاهية.
وكيف لأب فقير عذبه ارتفاع أسعار السلع الغذائية أن يفكر فى إحضار قطعة شيكولاتة لصغاره، بينما لا يستطيع أن يملأ بطونهم الجائعة، وكيف يستمع لمثل هذه المطالب المستفزة من أطفاله بينما يلهث للحصول على زجاجة زيت وكيس سكر أو أرز ارتفع سعر كل منها فى بطاقة التموين ثلاث أو أربعة أضعاف خلال أشهر قليلة؟
آلاف الأسر وآلاف الأطفال فى بلدنا لا تشغل الشيكولاتة حيزا من تفكيرهم الذى انشغل بأمور وسلع أبسط وأرخص بكثير، حال بينهم وبينها غلاء الأسعار.
تطوع الكثيرون بعد واقعة سرقة الشيكولاتة ليؤكدوا تبرعهم بشيكولاتة يوميا لنجل الأب المتهم، ونسوا أن هناك ملايين الأطفال لا يعرفون الشيكولاتة، ولا يفكر أباؤهم وأمهاتهم فى سرقتها، وأننا نسرق طفولة هؤلاء الأطفال بهموم أكبر منهم تنسيهم التفكير فى طفولتهم، وفيما يحقق لهم شيئا من السعادة.
فكيف يرى البعض أن إلقاء القبض على الأب سارق الشيكولاتة يتنافى مع المنطق، رغم أنه عين المنطق والواقع الذى نعيشه، فكما سخر الكثيرون من أن يكون فى مصر وزارة للسعادة فى بلد يتظاهر فيه المواطنون ضد وزارة التموين من أجل رغيف الخبز، يصبح من المستفز أن يفكر المواطن البسيط فى قطعة شيكولاتة بينما لا يجد ما يسد جوعه.
الفقراء فى بلدنا يا سادة لا يفكرون فى الشيكولاتة رمز السعادة، فهى سلعة استفزازية من حق الأغنياء فقط، أما الفقراء فيكفيهم الحلم برغيف خبز وزجاجة زيت أو كيس سكر، فكيف يحلم الطفل الجائع ووالده الفقير بالسعادة؟ تلك السلعة الاستفزازية التى يجب أن يدفع من يريد الحصول عليها الضرائب المستحقة عنها.