أين الأجهزة الرقابية والتفتيش من هذه المخالفات الكارثية للضباط وأمناء الشرطة؟
عندما تحدثنا فى مقالات سابقة عن السر وراء انتشار السلاح فى الصعيد، بشكل لم يسبق له مثيل عبر العصور التاريخية الطويلة، للدرجة التى يمكن لأى شخص لديه معرفة عادية بالسلاح، قبل الخبير، أن يؤكد تحول الصعيد إلى مركز ضخم لتجارة السلاح بكل أنواعها من الخرطوش لمضادات الطائرات، أعلن عدد من قيادات وزارة الداخلية الغضب. لكن غضب قيادات الوزارة، من عدمه، ومحاولات دفن الرؤوس فى الرمال، لن يمنع ظهور الحقيقة، ولن يخرس ألسنة الناس، سواء «بالهمهمة» أو بالتصريح بصوت عال، عن سر الصمت الأمنى المريب لانتشار السلاح، وتصدر تجار السلاح للمشهد العام، فتجدهم يجلسون فى حضرة رجال الأمن، ويقودون المصالحات بين الناس، ولهم كلمة مسموعة أكثر من كلمة «العُمد ومشايخ البلد» ورموز العائلات المحترمين.
أمر لا يصدقه عقل، ويشعل فى صدور الشرفاء نار الأسئلة، والغضب، والألم، عن كيف لتاجر سلاح ومخدرات وآثار، أن يصبح من الصفوة، ويستعين به الأمن فى الصعيد لتشكيل لجان مصالحات لحل النزاعات بين الناس، وينزل أحكامهم وقراراتهم على الشرفاء، والأمن ينفذ بقوة وعنف، فى انتهاك صارخ لمنظومة العدالة، وترسيخ للظلم، وتكدير للأمن والسلم الاجتماعى.
وخلال الساعات القليلة الماضية، ظهرت إجابة واضحة وقاطعة، أشاعت الرعب والقلق الشديد لدى شرفاء الوطن، عن تورط أمناء وضباط وقيادات شرطة بمديرية أمن القليوبية، فى الاتجار بالأسلحة.
القصة بدأت عندما كان النقيب محمد حبيب، ضابط المباحث بفرقة شمال الجيزة، يقف فى أحد الأكمنة أعلى كوبرى الدائرى، فشك فى قائد سيارة أجرة ماركة «تويوتا» بيضاء اللون، كان يستقلها 3 أشخاص بخلاف السائق.
طلب الضابط من السائق الاطلاع على تراخيصه، وأثناء الفحص لاحظ «جوالًا» ملقى أعلى سقف السيارة، يظهر منه جزء صغير من ماسورة حديدية، فوجه سؤالًا للسائق عن الجوال ومحتواه ومالكه، فأجاب السائق أن الجوال ملك أحد الركاب الذى يرتدى جلبابًا، ويجلس بالمقعد الخلفى، وأشار بأصبعه تجاهه، فطلب الضابط إنزال الجوال، وبفتحه اكتشف وجود كمية من الأسلحة النارية.
استدعى ضابط المباحث أفراد القوة الأمنية، وتمت محاصرة السيارة والتحفظ على مستقليها، وبتفتيشها عثر أيضًا على كرتونة بحوزة صاحب الجوال تحتوى على عدد من الأسلحة النارية، وبفحص بطاقة تحقيق الشخصية الخاصة بالمتهم، تبين أنه يدعى «فوزى» يبلغ من العمر 42 عامًا، وأثناء التحقيق معه، فجر قنبلة، عندما أكد أن المضبوطات تخص أمناء شرطة بقسم ثان شبرا، واستقدمها من أسيوط «قلب الصعيد»، وأنه مجرد وسيط، مهمته استلام السلاح وتوصيله لأمين الشرطة.
وواصل المتهم اعترافاته: «دى تانى مرة أوصل السلاح، أول مرة جبتهه برده من أسيوط، ووصلتهه بنفس الطريقة، كنت مخبيه فى «جوال» ووضعته أعلى سقف العربية الأجرة، وعديت من الكمين ومفيش حد خد باله، وسواق العربية الأجرة مسؤول عن نقل السلاح معايا».
اعترافات المتهم كانت زلازلا عنيفا ومدمرا للمنظومة الأمنية، تجاوز 9 درجات بمقياس الزلازل الشهير «ريختر»، وكشف عن تورط عدد من ضباط وأفراد قسم شرطة ثان شبرا الخيمة فى قضية تجارة السلاح، لذلك قرر وزير الداخلية إجراء حركة تنقلات محدودة شملت الإطاحة باللواء مجدى عبدالعال، مدير أمن القليوبية من منصبه، ونقله إلى شؤون الأفراد بالوزارة، بالإضافة إلى نقل اللواء الدكتور أشرف عبدالقادر من منصبه كمدير مباحث القليوبية إلى قطاع الأحوال المدنية، وتم تصعيد اللواء أنور سعيد حكمدار القليوبية، لمنصب مساعد الوزير لأمن القليوبية، وتعيين اللواء على سليم مديرًا للمباحث الجنائية بالقليوبية.
لكن السؤال: ماذا يفعل «الترقيع فى الثوب المهترئ؟»، وماذا عن مديرى الأمن فى أسيوط وسوهاج وقنا؟
وهنا تستطيع أن تؤكد عددا من الأمور المهمة :
الأول: إن الصعيد بالفعل والقول تحول إلى مركز ضخم لتجارة السلاح بكل أنواعه، وأصبح يشكل خطرا حقيقيا على أمن واستقرار الوطن، وأن هذه الأسلحة تذهب إلى الجماعات والتنظيمات الإرهابية، خاصة فى سيناء.
الثانى: أين الأجهزة الرقابية والتفتيش من هذه المخالفات الكارثية للضباط وأمناء الشرطة؟
الثالث: إن المنظومة الأمنية فى الصعيد مهترئة وكارثية، ومدراء الأمن فى أسيوط وسوهاج وقنا على وجه الخصوص، لم يحققوا أى نجاح، وأطلقوا أيدى المجرمين للعبث بأمن واستقرار البلاد.
ولك الله يا مصر...!!!