اليوم نواصل ما سطره الباحث الإسلامى محمد على عتر عن سماحة الإسلام، حيث روى أنه اجتمع فى مجلس النبى يومًا عبدالرحمن بن عوف، وهو من أعز أصحاب الرسول وأكرمهم عنده؛ وحضر عبد من العامة يخاصم عبدالرحمن فى شىء، فغضب منه وقال له: يا ابن السوداء! فما كاد النبى يسمع ذلك حتى احمّر وجهه غضبًا، ورفع يده معنفًا عبدالرحمن أى تعنيف، وقال له تلك الكلمة الخالدة التى يحق لأمم الأرض أن تستقى منها شرعة العدل والمساواة: «ليس لابن بيضاء على ابن سوداء سلطان إلا بالحق»، فاستخذى عبدالرحمن، رضى الله عنه، ورأى أن يعتذر للعبد أوضع اعتذار وآلمه، فقام ووضع خده على الأرض وأهاب بالعبد: «أَنْ طأ عليه حتى ترضى»!
هذا هو دين الإسلام وعدله، وهذا وفاؤه وصدقه، انظروا إلى ذلك، ثم ارجعوا بالطرف إلى عصور المسلمين الزاهرة، أيام كانت تخفق أعلامهم فوق أربعة أقطار المسكونة، أيام دانت لهم ملوك الأرض، وانقادت لهم جميع الشعوب، أولم يأخذوا إذ ذاك بيد الضعيف حتى أخذوا له الحق من القوى؟ أولم يبددوا الفوضى ويحطموا عروش الأرستقراطية والاستبداد؟ أولم تستظل تحت رايتهم المذاهب المختلفة، والعناصر المتباينة، فعاش الشرقى والغربى، الأبيض والأسود. عاش المسلم والنصرانى واليهودى فى كنف الإسلام عيشة الهناء والرخاء؟ فنظرة بسيطة فى سيرة المهذب الأكبر والمنقذ الأعظم، محمد صلى الله عليه وسلم، ونظرة فى سيرة خلفائه وأتباعه، يتضح بهما لكم صدق ذلك، يتضح لكم عدل العرب ورحمة الإسلام. كان عليه السلام يرتب الجيش يومًا فى غزوة بدر فضرب أعرابيًا ضربًا خفيفًا لتخلفه عن الصف، فقال له الأعرابى، وهو سواد: أوجعتنى يا رسول الله، أريد القصاص، فكشف له الرسول عن بطنه الشريف، وقال له: «اقتص يا سواد»، فهجم الأعرابى على الرسول ولثم بطنه الشريف، فقال له النبى: ما حملك على هذا يا سواد؟، فقال: أردت أن يمس جلدى جلدك قبل أن يدركنى الموت.
وأذن عليه السلام للناس قبل موته بأن من له حق عنده فليطلبه، وإذا كان نحو ضرب فليقتص منه؛ وقد قال عليه السلام: «لقد شقيت إن لم أعدل»، و«والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها». هذا هو إسلامنا الذى لا يعرفه إلا الغرب، أما نحن فقد ضيعنا كل شىء وأصبح خليفة «داعش» هو الإسلام، والمذابح هى العقيدة، فهل نصحو من نومنا، ونعلم أننا أكثر الديانات تسامحًا مع الآخر.