اتصلت سيدة بأحد البرامج الدينية المنتشرة على الفضائيات، وبعد السلام على الشيخ المستعد والجاهز للإجابات سألته: هل يمكن أن أحمل من الشيطان؟ تخيلوا مجتمع يعيش فى القرن الواحد والعشرين، والناس فى العالم المختلف يتحدثون عن العمل والرفاهية، وهو يعانى يوميا من كم هائل من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، كما أنه يواجه تحديات لا قبل له بها ولا يعرف كيف يقضى عليها أو حتى يتعامل معها، ومع ذلك تؤرقه قضية «نكاح الشيطان».
السؤال هو: من فعل ذلك بالمصريين وجعل «عقولهم تخف» بهذه الدرجة، ما الذى يحدث فى الإعلام لتصبح قضايا الحديث عن السحر والشعوذة والربط والقيام هى شغلهم الشاغل وهاجسهم الذى لا ينفض سوقه أبدا، وأين ذهبت المناهج التعليمية والمنتديات الثقافية فى الجامعات والمراكز الشبابية التى كانت تصنع نوعا من التوازن لإنقاذ هذا الواقع المتهاوى. وكيف نسمح لقنوات فضائية لا تقدم سوى إعلانات الجدل والنصب على المواطنين بأن تنتشر كل هذا الانتشار وتصب سمومها على المواطنين، لماذا لا تتم محاربة هذا المحتوى أو السعى لمنع هذه القنوات أساسا من الوجود، ألا يوجد قانون يسمح بذلك، وإن لم يوجد ألسنا فى حاجة ضرورية إليه حاليا، بدلا من المطالبات التى نسمع عنها لقوانين لا نفع فيها؟
الغريب أننا نتعامل مع هذه القنوات وما تبثه دون اكتراث، ولا ندرك أنها تتسرب إلى نفوس الناس ثم تأخذ موقع العقيدة داخلهم، وتصبح حياتنا مدبرة من قبل الغيبيات والعالم السفلى، وبالتالى نشاهد الجرائم الغريبة والعنيفة، التى تقع على رأس هذا البلد دون أن نفهمها، وكم من مرة سمعنا عن جرائم قتل ما أنزل الله بها من سلطان، وبسؤال الجانى يؤكد أنه كان مأمورا من كائنات خفية بفعل ذلك.
هذه التصرفات التى كنا نظنها من قبل فردية وأحادية، بعد سنوات قليلة، ما لم نتنبه لهذه الظاهرة ونحاربها بصورة حاسمة، سوف تتحول إلى طريقة حياة، وستطغى بشكل كبير على كل التصرفات الحاضرة والمستقبلية للمواطنين، وسنخرج من إطار العلم إلى مستنقعات الجدل.
وخطورة هذا الأمر بدأت فى التشكل، فرغم أن الشرطة ضبطت أكثر من عصابة من الدجالين الذين كانوا ينصبون على المواطنين باسم «فك السحر، والقرين، وجلب الحبيب، والرقية الشرعية» وغير ذلك إلا أن الناس بدأت تسيطر عليها هذه الأوهام، لدرجة أنه فى إحدى الوقائع بعد ضبط نصاب يفعل ذلك واكتشفوا أنه «سوابق»، طلب الضابط من سيدة نصب عليها هذا المحتال أن تأتى لتشهد ضده بعد تحويله للنيابة لكنها ردت قائلة «أخاف يئذينى بالسحر».