إذا دخل السياسيون نقابة «أفسدوها» وجعلوا من أهل المهنة أذلة لشعارات الوهم والنضال المزيف
كان هناك امتهان شديد للتذمر، وسيولة مفرطة للشكوى، وإصرار عجيب على نشر غسيل السلبيات على حبال التشاؤم، وقتل الأمل، وتأجيج الفتن السياسية، ونشر فيروس الكراهية والفرقة بين أبناء المهنة.
هذه عينة من دستور مجلس نقابة الصحفيين، بقيادة النقيب السابق يحيى قلاش، وقرينه خالد البلشى، اللذان انحرفا بمسار النقابة من طريق المهنة وانتشالها من الغرق فى وحل الأزمات، إلى مسار السياسة والسماح لكل خصوم الدولة أن يمتطوا النقابة لتصفية خلافاتهم مع كل المؤسسات الرسمية.
ومن المعلوم بالضرورة أن وظيفة الصحفى هى أن يكون وسيطًا نزيهًا بين مؤسسات الدولة والمواطنين، والعكس، ينقل الأخبار من المؤسسات للمواطنين، ونقل معاناة الناس للمسؤولين، وإذا كان هناك رأى مغاير للصحفى فى قضية ما، عليه أن يترجمه فى مقال رأى، يطرح وجهة نظره كيفما يشاء، دون مزايدات، أو تحدٍّ، وخوض حروب فرض الإرادات، وكسر أنف الدولة، لا لشىء، سوى من باب فرد العضلات، ونفش ريش المزايدات، دون الوضع فى الاعتبار لا مصلحة المهنة، ولا المصلحة العليا للوطن.
وفى انتخابات نقابة الصحفيين أمس الأول الجمعة، لاختيار نقيب جديد، و6 من أعضاء مجلس النقابة، فوجئنا بحشد سياسى لا نظير له، ووجدنا جماعات وأحزاب تلعب دورًا فى العملية الانتخابية، ثم وبمنتهى غلظ العين يتهمون الدولة بأنها تساند النقيب «الفلانى» أو العضو «العلانى»، وهو ازدواجية مقيتة ومنحطة فى المعايير، فبينما الأحزاب تعطى نفسها الحق فى الدعم والمساندة لنفر من الصحفيين، ثم تخوض حربًا ضروسًا وتقيم حفلة بكاء وصراخ ولطم على الخدود ضد من يتعاطف أو يساند «نفر» من فريق مغاير.
فوجدنا حمدين صباحى، وكل رجال التيار الشعبى يحملون على عاتقهم دعم ومساندة يحيى قلاش وخالد البلشى، وعمرو بدر، وآخرين، ويروجون بكل قوة لهؤلاء المرشحين، كما وجدنا المدعو أيمن نور الذى يعمل «ليبرالى» صباحًا، و«يسارى» ظهرًا، و«إخوانى» مساءً وطوال الليل، يدعم بقوة أيضًا يحيى قلاش، وخالد البلشى، والمرشحين المحسوبين على جماعات وحركات وأحزاب.
هنا، لا نحتاج قريحة العباقرة، ولا قدرات أفلاطون على تفسير «المنطق» من أن نقابة الصحفيين، أصبحت مرتعًا للخصوم السياسيين، وميدانًا مهمًا وحيويًا للحزبيين والسياسيين لتصفية حساباتهم مع الدولة، خاصة وأن هؤلاء سطروا مجدًا عظيم الأثر فى الفشل الحزبى والسياسى، فقرروا اختطاف نقابة «الكلمة» بما لها من تأثير بالغ فى الشارع.
وبالطبع إذا دخل السياسيون، نقابة «أفسدوها» وجعلوا من أهل المهنة، أذلة لشعارات الوهم، والنضال المزيف، لذلك شاهدنا انتقادات بين جماعة الصحفيين، لا يمكن وضعها إلا تحت خانة «الانحطاط» الأبشع من الشتيمة الصريحة، وتهديدات أكثر وقاحة، وتحول عدد غير قليل من الصحفيين إلى نشطاء سياسيين، تركوا المهنة، وامتهنوا شغلانة «الناشط الثورى، والناشط الحقوقى، والناشط السياسى».
وتأسيسًا على إقحام نقابة الصحفيين فى سويداء السياسة، فكان سقوط يحيى قلاش وخالد البلشى، هو سقوط فعلى وحقيقى لحمدين صباحى، زعيم التيار الشعبى، وهو فشل سياسى جديد يضاف إلى قائمة الفشل التى تزين صدر الرجل، وأيضًا فشل مروع لكبير كهنة التلون الأعظم أيمن نور، ويجعل منه أضحوكة كبرى، تضاف إلى حلقات مسلسل «اضحوكاته» الطويل للغاية.
لذلك قل إن حمدين صباحى وأيمن نور والإخوان والحركات الفوضوية سقطوا فى انتخابات نقابة الصحفيين، ولا تقل سقط يحيى قلاش وخالد البلشى، وباقى رفاقهم.