فى كل خطوة يخطوها أى زائر لسنغافورة سيتأكد من أن كل شىء فيها يخاطب المستقبل، ولهذا فإن مهرجان «اصنع المستقبل» الذى شاركت فيه مدة أربعة أيام، بدعوة من شركة «شل مصر»، كان جزءًا من حالة تعيش سنغافورة عليها منذ انفصالها عن ماليزيا عام 1965، فنظرة آباء الدولة الأوائل للمستقبل جعلت منها رابع أهم مركز مالى فى العالم، وخامس مرفأ تجارى من ناحية النشاط.
ويصنع تقدم سنغافورة أكثر من خمسة ملايين نسمة، يعيشون على 620 كيلومتر مربع، وبالرغم من أن السكان ينتمون إلى أصول عرقية مختلفة، من الصينيين والملاويين والهنود والآسيويين من ثقافات مختلفة، فإن الكل ينصهر فى حياة واحدة تحت مظلة قانون واحد يحمى الجميع، ويتوزع السكان إلى ديانات مختلفة أكبرها البوذية، ويتبعها حوالى %42 من السكان، والمسيحية حوالى %14، والمسلمون حوالى %14، ولا يمكن الإساءة من أبناء ديانة لأبناء ديانة أخرى، وعن مصير من يفعل هذه الإساءة قال لنا شاب هندى جاء من بلاده للعمل مهندسًا فى إحدى الشركات العالمية فى مجال الكمبيوتر: «يغادر البلاد على الفور إذا كان أجنبيًا، ويعاقب بأشد العقوبات إذا كان من أبناء البلد»، ولعل أكثر المشاهد اللافتة فى الشارع هى أن تجد فتاة تسير بالشورت مع فتاة ترتدى الحجاب، وتجد مسلمًا يسير مع بوذيًا فى الطريق إلى المسجد والمعبد، اللذين تفصلهما أمتار قليلة، مما يعطيك قناعة أكيدة بأن الجميع يعيش فى سنغافورة بلا تشدد دينى، وباحترام للقانون الذى يحافظ على حقوق الجميع رغم اختلاف الديانات.
بالطبع فإن حالة التوحد الوطنى بين السكان فى سنغافورة، رغم اختلاف الديانات والأعراق والأجناس، تدفع الجميع إلى التطلع نحو المستقبل، فالوقت ليس متاحًا فيه دقيقة واحدة لمبارزات دينية فارغة كما عندنا هنا، وليس متاحًا فيه مناقشات يناطح فيها الماضى بعضه ببعضًا تاركًا هموم المستقبل، وكان مهرجان «اصنع المستقبل» نموذجًا لذلك، ففعاليته التى قامت على أرض للمعارض مجهزة بأحدث التقنيات، ووسائل الاستعداد كانت تبحث كلها عن المستقبل فى كيفية توفير الطاقة، وكانت أكثر المشاهد التى أثارت دهشتنا هى إعداد أطفال سنغافورة لهذا المستقبل، وتلك قصة أخرى نواصل الحديث عنها غدًا.