يجب أن تعيد القمة النظر فى الملفات التى تناقشها وطريقة تعاملها مع الوضع العربى
فى التاسع والعشرين من هذا الشهر، تنعقد مجددًا وكالعادة، وربنا ما يقطع لنا عادة، القمة العربية فى دورتها السنوية الثامنة والعشرين فى منطقة البحر الميت بالأردن، بعد أن اعتذرت اليمن عن استضافتها بسبب ظروفها الأمنية.
وكالعادة أيضًا ستناقش القمة نفس الموضوعات التاريخية الخالدة دون فائدة، من القضية الفلسطينية ومواجهة تجاوزات وجرائم دولة الاحتلال إلى الملف السورى، وما استجد من قضايا اليمن وليبيا وغيرها من الدول العربية المريضة والمنهارة والمتصدعة بفعل التآمر الواضح على العرب شرقًا وغربًا، وبالطبع وحتى تكون القمة مكتملة فسوف تناقش أيضًا الملفات الاقتصادية المكررة، وأهمها التعاون العربى العربى، وتفتح من جديد ملف الإرهاب، وكيف يمكن أن يتعاون العرب، كعادتهم الدائمة، فى مواجهة هذا الخطر الذى يهددهم، ولن تنسى القمة بالطبع البند الأهم وهو لم الشمل العربى.
وبغض النظر عن عدم فهمى لإمكانية أن يتحقق لم الشمل، أو حتى أن يحدث توافق على أى بند من بنود التعاون والتكامل والمواجهة للمخاطر فى ظل حالة اللاتوافق الموجودة حاليًا بين أغلب الدول العربية وبعضها البعض، فنصف الذين سيشاركون تقريبًا بينهم خلافات جذرية لم تعد سرية، وإنما معلنة ورسمية، ودول تسير عكس دول فى ملفات كثيرة مما ستطرحه القمة للنقاش، ودول عربية تتآمر فى العلن ضد دول عربية أخرى بهدف تخريبها وإسقاطها.
وبغض النظر أيضًا عن أن أغلب من سيشاركون من القادة والزعماء العرب سيحضرون إكرامًا لشخص العاهل الأردنى الملك عبدالله، وتلبية لدعوته، وليس حفاظًا على القمة ولا رغبة فى مناقشة القضايا العربية أو بحث التكامل بين الشعوب العربية وإنقاذها مما يخطط لها، وهذا طبعًا ليس اجتهاد منى ولا افتراء على أحد، وإنما هو ما يؤكده كل قيادات الجامعة العربية عندما تسألهم وسائل الإعلام عن مستوى الحضور فتكون الإجابة واضحة بأن مكانة العاهل الأردنى ستضمن حضورًا مميزًا ورفيع المستوى.
بغض النظر عن كل هذا لكن سؤالى، وما هو الجديد فى قمة البحر الميت؟
المؤكد فى رأيى أننا لا ننتظر جديدًا لا فى الملفات التى ستناقشها ولا فى حجم الخلافات التى تسبق القمة، وتهدأ خلالها ثم ما تلبث أن تعود سريعًا، بل ولا حتى فى القرارات التى ستصدر عن القمة، وأى متخصص فى الشأن العربى أو فى نشاط الجامعة العربية يمكن أن يكتب قرارات القمة قبل أن تنعقد لأنها لم تعد جديدة، اللهم إلا قرارين أو ثلاثة تتم إضافتهم كل مرة لزوم التجديد أو لتغطية أحداث جديدة.
أعتقد أنه أصبح من الضرورى أن تعيد القمة النظر فى الملفات التى تناقشها وطريقة تعاملها مع الوضع العربى، فلسنا فى جاحة لأن تناقش القمة كل عام عشرات الملفات والقضايا لتخرج لنا بقائمة طويلة من القرارات أو التوصيات، والأفضل بدلًا من هذا أن تخصص كل قمة لملف واحد أو اثنين يمكن أن تحقق فيه إنجاز يستفيد منه أكثر من 300 مليون عربى، بدلًا من القرارات التى هى أقرب إلى الشعارات، يمكن مثلًا أن تناقش القمة فى إحدى دوراتها السياحة العربية، ومرة أخرى البطالة وكيف يمكن أن نتعاون للقضاء عليها، أو ملف التكامل الزراعى من أجل الاكتفاء الذاتى من المواد الغذائية، أو التعاون من أجل أمن المواطن العربى، أو غيرها من القضايا والملفات التى تهم المواطن العربى بشكل مباشر وواضح، وهذه الملفات يمكن أن يحدث فيها نجاح بسهولة لو خلصت النوايا وتوحدت الإرادات العربية، وهناك بالفعل دول عربية لديها هذه الإرادة وفى مقدمتها مصر، لكن دول أخرى تخصصت فى إفساد الإرادة العربية وتحطيم أى توافق. وعلينا أن نواجه هذا بشجاعة وحسم.. أما الملفات التاريخية والجوهرية فقد أصبحت ثوابت عربية واضحة ولا تغيير فيها، ولهذا فيمكن أن يتضمنها البيان الختامى أو كلمات القادة للتأكيد على المواقف العربية بشأنها، لأننا بصراحة لم نعد نحتمل الكلام والوعود والشعارات أكثر من هذا، فالوضع العربى ينحدر بسرعة وإن لم ننقذه بتحركات وقرارات سريعة فسوف نجد أنفسنا جميعًا فى قلب الدوامة يحاصرنا الغرق.