أكثر ما يلفت الانتباه فى مناقشة مجلس النواب لمشروع قانون «الهيئة الوطنية للانتخابات، هو رفض النواب لإلغاء الإشراف القضائى على الانتخابات بعد فترة انتقالية تستمر 10 سنوات، وهو النص الذى تقدمت به الحكومة فى مشروع القانون»، ودافعت عنه، لكن النواب صمموا على رفضه.
النواب قالوا صراحة فى المناقشات التى جرت أول أمس: «لولا الإشراف القضائى ما جئنا إلى هنا»، ولم يقتصر رفض الإلغاء على تكتل «25- 30»، وإنما امتد إلى تكتل «دعم مصر»، فرئيسه النائب محمد السويدى قال: «دون الإشراف القضائى لم يكن لأحد منا أن يدخل المجلس».
لم يبالغ «السويدى» فى اعتقاده، وحتمًا فإن اعتراض النائبين خالد يوسف وضياء الدين دواد من تكتل 25 - 30 على مطلب الحكومة، هو فى محله تمامًا، ومن اليقين أن هذا الموقف يعبر عن جموع المصريين الذين يطمحون إلى أن تكون انتخاباتهم نزيهة وصحيحة تمامًا، بعد أن عاشوا سنوات طويلة وجدوا فيها كيف يتم تزوير الانتخابات بصورة متعمدة تقوم على البلطجة البدنية والسياسة مع استخدام نفوذ المال، وتجسدت أبشع صور هذا التزوير فى تسويد بطاقات الناخبين، والمعروفة شعبيًا باسم «تقفيل اللجان»، وللحق فإن هذه العملية كانت تجعلنا متفردين فى المسخرة وسط العالم كله حين يتحدث عن الانتخابات فى مصر.
المؤكد أن تراثنا فى التزوير كان هو الحاضر فى وجدان وعقل النواب أثناء مناقشتهم لهذه القضية، فمعظمهم كان شاهدًا على الانتخابات التى أجريت تحت إشراف الأجهزة الأمنية والمحلية، وكان يتحدد نتيجتها مسبقًا، ويتم تنفيذها بالتزوير الفاضح الذى نعرفه جميعًا، وفى مقابل ذلك فإنه من المؤكد أن وجدان وعقول النواب، لا يفارقها تلك المرات التى أشرف القضاء فيها على الانتخابات، وأدار عملية التصويت بنزاهة منحت الثقة للناخبين فى الاطمئنان على مصير أصواتهم، وطمأنت المرشحين على أن الفوز سيكون مستحقًا لمن يفوز، والأمر على هذا النحو يجتمع عنده المعارض للحكومة والمؤيد لها.
المثير فى هذا الموضوع برمته، أننا مازلنا نعيش مرحلة عدم الثقة فى إسناد أمر الإشراف على الانتخابات إلى أى جهة غير القضاء، والأكثر إثارة أن فقدان هذه الثقة يمتد إلى ما بعد عشر سنوات، أى ممتد إلى المستقبل، والخوف أن يكون ذلك تعبيرًا عما هو أشمل من الانتخابات.