القبول الإنسانى والتعايش هى حكمة الله وهى طبيعة الأشياء وطريق التقدم الحضارى
قلنا ونقول وسنقول إن المطلوب هو تصحيح الفكر الدينى، وليس الخطاب الدينى. حيث إن الخطاب ما هو غير تلك الوسائل المتعددة التى بها ومن خلالها ينقل الفكر الدينى. حيث إن الفكر الدينى هو تفسير البشر واجتهاداتهم وتأويلاتهم للنص الدينى. فهذا التفسير وتلك الاجتهادات البشرية تختلف باختلاف البشر، وبتغير الزمان والمكان. فما يطرح من خلال الخطاب هو ذلك الفكر إن كان صحيحًا، أو غير ذلك، بالرغم من أن كل التفاسير تعتمد على ذات النص الواحد. كما أننا دائمًا نقول إن تصحيح الفكر الدينى لا يقتصر على الفكر الدينى الإسلامى فقط، ولكنه لابد أن يمتد إلى الفكر الدينى المسيحى، بل إلى الفكر الدينى فى كل الأديان حتى الوضعية منها. ذلك لأن الإنسان هو الإنسان الذى خلقه الله لكل الأديان. والدين هو الدين الذى يتمسك به الإنسان بنفس المستوى وبذات الأسلوب، وبهذا التمسك الممزوج بطائفية ما لكل دين ولأى دين. ومن الطبيعى أن يعتقد كل صاحب دين بصحيح دينه ومطلق معتقده، ولكن المشكلة أن من يعتقد ذلك لا يترك الفرصة للآخر الذى من حقه أن يعتقد مثل ما هو يعتقد. فالإيمان بصحة المعتقد التى تنتج رفضًا للآخر الدينى على المستوى الدينى لا يجب أن تمتد إلى رفض الآخر على المستوى الإنسانى، لأن القبول الإنسانى والتعايش والمعايشة هى حكمة الله، وهى طبيعة الأشياء وسبيل التواجد الإنسانى وطريق التقدم الحضارى. فلولا ذلك ما كانت حضارة ولا كان علم وما رأينا تقدمًا.
فالمشكلة هى رفض الآخر على المستويين الدينى والإنسانى. نجد المسلم يرفض المسيحى والعكس صحيح. بل السنى يرفض الشيعى والأرثوذكسى يرفض البروتستانتى والعكس صحيح. فهل هذا الرفض يجب أن ينتقل من الرفض الذى يؤمن بالخلاف المشروع لكل دين عن الآخر، وهذا طبيعى، أم نترك الحبل على الغارب ويصبح الخلاف مهاترات وتصفية حسابات ورؤى شخصية وتفسيرات ذاتية وتأويلات خاطئة تحمل فى طياتها تحويل الدين إلى سلعة يتم المتاجرة بها لدى معتنقيها وطالبيها تحت اسم الخلاف؟ كأن كل واحد يريد أن يحافظ على تجارته بعيدًا عن الطرق المشروعة والحضارية التى تتسق مع قيم الأديان ومقاصدها، فتكون النتيجة تفتت الجماعة وتقسيم الأوطان ونشر النزاعات.
فبالرغم من تلك الحروب التى قامت بين جماعات داخل الدين الواحد وبين دين ودين آخر لم تتوقف الحياة، ولن تبيد الإنسان الذى كرمه الله وهنا نرى من يخرج علينا بآرائه الذاتية وفكره الخاص، فوجدنا الدكتور أحمد عمر هاشم، يقول «الإسلام لايمنع التعامل مع غير المسلم ولكن يمنع المودة القلبية والموالاة لأن المودة القلبية لا تكون إلا بين المسلم وأخيه المسلم»، مع العلم أن الدكتور هاشم، كان زميلًا فى مجلس الشعب 1987 وقد عزمنى مع زملاء للغذاء فى مولد الحسين، وقام وهو ومن معه من مريدى الطريقة بالتخديم علينا وتكريمنا، فهل ما فعله هو الصحيح أم ما يقوله؟ فى الجانب الآخر رأينا قس أرثوذكسى فى ميت غمر يهاجم البروتستانت لمجرد أن بعض الأرثوذكس ذهبوا إليهم، قال « لا حل ولا بركة لمن يذهب إلى البروتستانت فمسيحنا غير مسيحهم وكنيستهم لا تعرف الأب ولا الابن ولا الروح القدس وإيمانهم غير إيماننا وأنت كده بتبيع المسيح عندما تذهب إلى هناك». والغريب والعجيب أن هذا الموقف وذلك القول لا يتناسب ولا يتوافق مع موقف البابا تواضروس، الذى زار وصلى مع امرأة بدرجة أسقف فى الكنيسة اللوثرية، بل تم دعوة هذه الأسقف وأقيمت لها صلاة بحضور البابا والأنبا توماس بمنتجع الأنافورة. فهل اللوثرية تتفق وتتوافق مع الأرثوذكسية؟ وإذا كان الأمر غير ذلك فأين الصح وكيف تدار الكنيسة؟ أسئلة نريد الإجابة عليها بالاعتراف بوجوبية تصحيح الفكر الدينى الذى لا يتسق مع القيم المسيحية ولا يتناسب مع المتغيرات العصرية والحياتية، على ألا تتناقض مع الثوابت العقيدية. هذه آراء وتلك سلوكيات شخصية لا تحملوا الدين والعقيدة بها، فالمسيحية تقبل العدو قبل الصديق «كل أمة تفعل البر هى مقبولة عند الله».