عندما تفتح أي جريدة فإنك لن تجد نفس العدد من العناوين الحلوة التي كانت تراها في الماضي ما يطرح تساؤلا هو : راح فين زمن العناوين الجميلة؟
وأسباب تلك الظاهرة عديدة وأولها وأهمها علي الإطلاق مواقع التواصل الاجتماعي والتي يسميها الناس "السوشيال ميديا" لسبب لازلت حتي الآن حائرا في أمره (اشمعني دي بنحولها من انجليزي لعربي قولا وكتابة؟!!! )
مواقع التواصل الاجتماعي قللت بطبيعة الحال من أهمية العنوان الجميل لأنها أوجدت الخبر نفسه في كلمات موجزة وقصيرة ودالة علي المعني كما أن سيل الأخبار التي تبثها جعل الاستمتاع بالعنوان أقل من ذي قبل من منطق "مش أما نلاحق علي الأخبار الأول نبقي نسرح في العناوين".
ومن باب ذكر ما ينبغي ذكره فإن التطلعات لدي صناع "الإعلام" أنفسهم نحو العناوين الجميلة بات أقل بعد سيطرة المواقع الإلكترونية التي فهم الصانعون أن العنوان ليس هو بيت القصيد وإنما تسيير الأعمال بمعني السعي نحو بث أكبر عدد من الموضوعات في أقصر وقت متاح (يمكن اعتبار ذلك هو المعيار الحقيقي الآن لنجاح المواقع الإخبارية)
العملية الحسابية السابقة ساهمت في الركض وراء بث الأخبار بدلا من الركض خلف العنوان الحلو و"الكتوبة النضيفة" ، وهو ما يعمق من أهمية التمسك بالصحافة المطبوعة فهي في النهاية الملجأ الوحيد والملاذ الآمن الأخير للحفاظ علي طبخة الصحافة التي أن ضاعت فإن الإعلام سيفقد بهجة العنوان الحلو والصياغة المتينة وسيفتقد التراث ويضيع اللحن الذي صاغته أجيال من قبلنا ليصل إلينا في النهاية لنصونه.
ومما يذكر أيضا في هذا الإطار أن المصريين كلهم جميعا يعيشون في هذا العصر حالة من عسر المزاج وهو الأمر الذي انعكس علي الذائقة التي مرهفة مرفهة أيام روقان البال ، وإذا كان المتلقي لا يتلقي فإن الصانع لن يصنع ، وهي قاعدة معروفه.
ولذا فمنذ بدأ المتلقي في تلقي العنوان بذائقة أقل تحديدا وذات ميزان أقل قياسا بدأ صانع العنوان ورجل "الطبخة" في قص فنه المعتاد بحكم حالة عسر المزاج التي بات الجميع ينتظرون أن تعلن الحكومة أنها علي وشك أن تنتشر في الهواء.
إن الفكرة تنتشر في الكون ولا يستطيع أحد أن يوقفها لكن العالم إن أهملها فإنها ستذوي وتسقط في اللاشيء وكذا كل شيء في الحياة له طرفان فإن أخلص الطرفان للفكرة نمت وازدهرت وإن أخفق طرف واحد في الإخلاص فإن الأمر يتداعي كبناء حتي يسقط في النهاية كتل من الرمال.
لذا فإن كنت أنت عزيزي القاريء تعاني عسر المزاج فأنني أيضا أعانيه ، وإن كنت أنت غير قادر علي الاستمتاع بالعنوان الحلو فإنني لن أستطيع صياغته ، وإن توقفت يوما عن الإعجاب بالعنوان "اللي يشد" فإنني في هذه اللحظة لن أصبح قادرا علي الكتابة.