تُصدِّر سلسلة الجوائز، الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، والمعنية بترجمة الكتب الأجنبية إلى اللغة العربية، منشوراتها بجملة مهمة جدًا للروائى العالمى جوزيه ساراماجو يقول فيها «الكتّاب يقدمون أدبًا وطنيًا، أما المترجمون فيقدمون أدبًا عالميًا»، هذه الجملة المهمة تشعرنا بمدى الخسارة التى لحقت بنا بعد رحيل اثنين من أهم المترجمين فى مصر خلال الأيام القليلة الماضية، هما المترجم الكبير أحمد محمود، والمترجم الكبير طلعت الشايب. رحل المترجم أحمد محمود منذ أيام عن عمر يناهز الـ 66 عامًا، تاركًا خلفه العديد من الترجمات الكاشفة، منها «الإمبراطورية والجمهورية فى عالم متغير، الشرق الأوسط والولايات المتحدة، ما بعد الليبرالية، الحياة بعد الرأسمالية، عالم ماك، الاقتصاد السياسى للعولمة، التحالف الأسود: وكالة الاستخبارات المركزية والمخدرات والصحافة، طريق الحرير».
لكن تظل ترجمته لكتاب «الناس فى صعيد مصر.. العادات والتقاليد»، تأليف وينفريد بلاكمان، وكتاب «أبناء الفراعنة المحدثون: دراسة لأخلاق أقباط مصر وعاداتهم»، تأليف «س. هـ. ليدر» من أهم وأمتع ما ترجم، خاصة بالنسبة للمصريين.
أما طلعت الشايب الذى توفى أمس الأول فى مدينة دمياط خلال مشاركته فى ندوة تحدث فيها عن الترجمة، وعن تجربته الشخصية، قبل أن يصاب بأزمة قلبية نقل على أثرها إلى أحد المستشفيات، لكن الأطباء عجزوا عن إنقاذه، فقد ترجم العديد من الكتب المهمة، منها «أصوات الضمير، عاريًا أمام الآلهة، الحرب الباردة الثقافية، الفنون والآداب تحت ضغط العولمة، إعادة صنع النظام العالمى».
وعن نفسى أعتبر ترجمته لكتابى «من الذى دفع للزمار»، و«صدام الحضارات» تكفى لوضعه فى قائمة أفضل المترجمين فى مصر والعالم العربى. لعلنا لاحظنا من عناوين الكتب التى ترجمها كل من أحمد محمود، وطلعت الشايب انشغالهما بما ينعكس على مصر والعالم العربى، خاصة فى الجانبين الاقتصادى والثقافى، فهما ليس مجرد ناقلين للفكر، لكنهما قبل ذلك يملكان رؤية واضحة فى الاختيار لما يقدمانه للقارئ العربى، ولما يمثل فارقًا فى حياته.
أحمد محمود وطلعت الشايب تميزا برغبتهما فى كشف الآخر، وإيضاح كيف يفكر، بمعنى أنهما لم يقصدا فقط زيادة الجانب المعرفى لقارئ الترجمة، لكنهما قصدا بوعى تام تقديم كيف يرانا الآخر الغربى، فكتاب مثل «صدام الحضارات.. إعادة صنع النظام العالمى» لصامويل هنتنجتون، والذى ترجمه طلعت الشايب، ليس مجرد استعراض لفكر شخص ما، لكنه رؤية كاملة لمجتمع أمريكى يرى المستقبل من خلال عيون المؤلف.
بالطبع خسرنا كثيرًا برحيل القامتين الكبيرتين أحمد محمود وطلعت الشايب، ونتمنى من شباب المترجمين أن يكملوا المسيرة، ويقدموا لنا ما ينفعنا ويثير الأسئلة داخلنا.