لم ير ضابط أمن الدولة العقيد أشرف عاصم العمرى أى مشكلة فى الزواج من «ليلى عمر» الناشطة بحركة كفاية، بل رأى أنه سينقذها من أيدى هذه الجماعة التى «تخرب الوطن»، هو يدخل هذه المغامرة من باب غروره بأنه يستطيع أن يمتلك أى شىء وكل شىء: «أنا لست عنيفا ولا أحب العنف بطبعى، ولكن ما أريده أحصل عليه، فى يوم ما ستعرفين أننى قدرك وأنك قدرى، والعاقل هو الذى لا يناقش القدر، مساء الغد سأكون فى بيتكم، وستكونين لى».
هكذا يصل حمدى عبدالرحيم فى روايته «الدائرة السوداء» إلى لحظة الذروة فى دراما حكايته الروائية، وتتجسد هذه اللحظة فى الصراع بين نقيضين هما «جهاز أمن الدولة» و«حركة كفاية»، ولا يقدم «حمدى» هذه اللحظة فى سياق قصة إنسانية عادية قد تمر أمامنا فى حكاياتنا اليومية، وإنما يقدمها فى سياق وطنى عام يدفعك إلى طرح أسئلة من نوع: «هل من الممكن أن يحدث هذا الزواج؟» وإلى أى مدى يعد هذا إسقاطا على واقعنا السياسى؟ وفى حال سلمنا بهذا الإسقاط، هل يريد المؤلف أن يؤكد لنا أنه كان من المستحيل لقاء «كفاية» و«نظام مبارك» على أرضية واحدة حتى لو كان الزواج بين عنصرين ينتميان إلى كل منهما؟
يرسم حمدى عبدالرحيم شخصيات روايته باقتدار كبير، ويمسك بتفاصيل كل شخصية بمهارة، يقدم العقيد أشرف عاصم العمرى الضابط بجهاز مباحث أمن الدولة الذى يعد من أصغر عقداء الشرطة، و«يطلقون عليه فى الجهاز لقب «الجوكر» تشبيها له بلاعب كرة القدم الذى يجيد اللعب فى كل المراكز، كانت إذا استعصت عليهم قضية أوكلوها إليه، ودائما كان عند حسن ظنهم»، هو نموذج تتوحد حالته الوظيفية مع الإنسانية»، يستخدم كل الوسائل غير الشرعية ضد المعارضين بقناعة أن الذين قلوبهم على البلد هو ونحو خمسة آلاف، يتقدمهم بطبيعة الحال سيادة الرئيس «مبارك» الذى لم يحصل على إجازة حقيقية منذ أن كان ملازما فى القوات المسلحة».
فى مقابل شخصية «أشرف» يأتى الدكتور مالك الجندى، أستاذ الأدب العربى القديم ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، بوصفه المثقف الذى يعيش «جنب الحيط» رغم تمكنه من أدواته كمثقف، لكنه فى نفس الوقت يبدو مهيئا لأن يكون إيجابيا وصاحب موقف ضد ممارسات النظام، وبين «أشرف» و«مالك» تواصل «ليلى» مسارها ونشاطها فى حركة كفاية، وفيما تنمو قصة الحب بينها وبين «مالك» المتزوج والأب لثلاثة، يضعها «أشرف» هدفه القادم بسلطويته التى يتصور أنها تحقق له المستحيل.
إلى جانب هذه الشخصيات الثلاث الرئيسية فى الرواية، هناك الشخصيات الأخرى التى تسهم فى تضفير الوقائع المتتالية للحدوتة، بما يشعرنا أننا أمام قصة حقيقية تدور أمام أعيننا وفى شوارع وبيوت نعرفها، وتلك مسألة تعطى للرواية حالة واقعية ممزوجة برومانسية نشعر بها فى كل الأزمنة التى تأتى فى الراوية، فحين يعود أبطال الرواية بالحنين إلى الماضى ويتذكرون كيف كان الآباء والأجداد نشعر أن هذا الماضى موصول بالحاضر، وأن إنسان اليوم فى أغلب الظن لا ينفصل عن البيئة الاجتماعية التى عاش فيها الأب والجد، وأكبر الأمثلة على ذلك شخصية الضابط «أشرف»، فهو ابن «المقاول»، ويتذكر أن والده عرف رئيسين هما «السادات»، و«مبارك»، وتودد إليه كل وزراء الإسكان بل وكل رؤساء الوزارات، وجمعته جلسات خاصة مع السادات والوزير عثمان أحمد عثمان، وفى تلك الجلسات كان السادات يتحدث على سجيته مثله مثل أولاد البلد، ويعم الضحك عندما يقلد طريقة «هيكل» فى تدخين السيجار.
لا يختم «حمدى» روايته بقفل الأحداث بنهاية طبيعية للوقائع، فيتبادر إلى الذهن فورا أنه يستعد لكتابة جزء ثانٍ للرواية.