«1» الدنيا أرزاق قسمها الخلاق.. هناك دول تستيقظ كل صباح، فتمطر لها السماء بترولاً ودولارات، دون تعب أو عرق أو مجهود، وهناك دول تشقى وتكد وتعمل ليل نهار من أجل البناء والتنمية وتدبير لقمة العيش، ومصر دولة من النوع الثانى، «اللهم لا قر ولا حسد»، ولكن هكذا «الدنيا والبشر» أرزاق ، والدولة القوية هى التى تبحث عن أوراق قوتها، وتحاول أن تستثمرها بأقصى درجة ممكنة، لا تستسلم ولا تسلم لا تركع ولا تنحنى، وتسابق الزمن لمواجهة مشاكلها وأزماتها، ولو تعرضت أعتى الدول لما تعرضت له مصر بعد 25 يناير، من فوضى وقلق ومظاهرات وتخريب وتوقف عجلة العمل والإنتاج، ما استطاعت الوقوف على قدميها.
«2» مصر كلها تعيش فى غرفة وصالة.. الزحام أخطر ما يهدد البلاد، بعد أن تركنا 90٪ من مساحة البلاد صحراء جرداء، تعبث فيها الرياح والإهمال والخراب، وانحشرنا فى مساحة ضيقة لم تتغير منذ مئات السنين، رغم الزيادة الهائلة فى أعداد السكان، والنتيجة تفشى مشاكل وأزمات وأمراض الزحام، اقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا وحضاريا، وامتدت العشوائيات إلى كل شىء، اقتصاديا أصبحنا عاجزين عن إنتاج قدر معقول من طعامنا، ونسد الفجوة الغذائية بالاستيراد والوقوع تحت رحمة الدولار، واجتماعيا بانتشار الكذب والخداع والجشع والاستغلال، وتراجع قيم العدالة والضبط والربط والنظام، وأخلاقيا بظهور أنواع جديدة من الجرائم الشاذة، التى يعجز العقل عن فهمها أو تفسيرها، وتجسدت سلبيات الزحام فى التشوه الحضارى فى كل شىء.
«3» الفقر «الضلع الأول فى مثلث الرعب».. ومن الأرقام الصادمة أن 28٪ من سكان مصر فقراء، يقل دخلهم اليومى عن عشرة جنيهات، تكاد تكفى كام سندوتش فول وطعمية، دون نفقات علاج أو مسكن أو تعليم وخلافه، وأيضا توجد مناطق يسكن فيها تسعة أفراد فى غرفة واحدة، وأصبح الصعيد الأكثر فقرا بسبب إهمال كل النظم السابقة، واحتلت محافظات المنيا وأسيوط وقنا وسوهاج صدارة قوائم الفقر، وازدادت الأمور سوءا بعد 25 يناير، وبات الخروج من هذه الدائرة الجهنمية يحتاج جهودا جبارة، لإنقاذ من هم على الحافة قبل أن يقعوا فى دائرة الفقر.
«4» الغلاء «الضلع الثانى فى مثلث الرعب».. صدمات وراء صدمات، مثلا، بعد أن تعهد منتجو الدواجن بعدم زيادة الأسعار، مقابل عدم الاستيراد، نقضوا وعودهم وتلاعبوا بالأسعار، وأصابت عدواهم اللحوم والأسماك والفواكه والخضراوات، واتجهت أصابع الاتهام إلى الدولار حتى لو كان بريئا، وواجهت الحكومة الأزمة بسياسات رد الفعل وليس الفعل، وأسرفت فى تصريحاتها «الفشنك» بمراقبة الأسوق، وفرض السيطرة على الأسعار، رغم أنها لا تمتلك أدوات أو أسلحة لتحقق ذلك، فلا تسعيرة جبرية أو ودية أو استرشادية، ولا قوانين تحدد هامش الربح، والمسيطر هو قانون العرض والطلب، دون ضوابط تكبح وحشية الفجوة بين العرض والطلب.
«5» البطالة «الضلع الثالث فى مثلث الرعب».. والبطالة ليست فقط أرقاما بل نتائج، وأكثرها سوءا عزوف الشباب عن الزواج لضيق ذات اليد، وما يتبعه من فساد أخلاقى، واللجوء إلى المخدرات والبرشام، والبحث عن كسب المال بأى وسيلة، حتى لو عن طريق الجرائم، أو ركوب عبارات الموت، والأسوأ حظا هو من تتلقفه أيادى التطرف والإرهاب، فتصنع منه عبوة متفجرة موعودة بالجنة والنعيم وبنات الحور، وأم المشاكل أن البطالة أزمة معكوسة، فهناك عاطلون لا يجدوا عملا، وفرص عمل لا تجد من يشغلها، دون بحث عن سياسات واقعية لعلاج هذا الخلل.
«6» بداية النهضة إحياء الأمل.. وأول ضوء فى نهاية النفق المظلم، هو إحياء الأمل فى النفوس، رغم المشاكل والأزمات والتحديات، ليس بالوعود البراقة ولا بالتصريحات الوردية، وإنما بمساندة الجهود المخلصة لبناء دولة جديدة، تحطم القيد الحديدى الذى يشل حركتها، وتنطلق إلى المشروعات التنموية الكبرى، فتشق الطرق وتبنى المرافق وتستصلح الأراضى وتخطط مدنا جديدة، وتوسع رزق سكانها بالتوسع فى تعمير الأراضى التى منحها الله لها، ولا ننسى أن «مصر الجديدة» بدأت بطريق يسير فيه مترو، أنشأه البارون إمبان، فحول الصحراء القاحلة إلى لؤلؤة تزين وجه القاهرة.
«7» متى يرد أثرياء الوطن الجميل؟ الغريب أيضاً أن بعض الأثرياء ورجال الأعمال الذين يمسكون بتلابيب الثروة وينعمون بها، هم الأكثر شكاية من سوء الأوضاع، ويذرفون دموع التماسيح خوفاً على المستقبل، بينما الناس البسطاء يتحملون فاتورة الإصلاح الثقيلة، ويعيشون حياتهم بصبر رغم المعاناة الشديدة، ويرفعون أيديهم باللعنات على من يستغلون أوجاعهم ويتاجرون بآلامهم ويملأون كروشهم من استغلالهم.. أغنياء هذا الوطن لم يقدموا لوطنهم ما ينبغى عليهم أن يقدموه حتى تتحقق العدالة الاجتماعية، ويقتسم الجميع السراء والضراء، أغنياء الوطن عليهم أعباء وواجبات كثيرة، لتعم روح الارتياح والشعور بالعدالة.
«8» البشر هم ثروة مصر الحقيقية.. مصر لا تمتلك أنهاراً من البترول ولا جبالاً من الذهب، وثروتها الحقيقية فى شعبها وإرادته وقدرته على الصبر وتحدى الصعاب، ثروة مصر فى العزيمة التى يحاول المحرضون النيل منها وضربها فى مقتل، وهم أول من يعلم أن البلاد ليست بهذه الدرجة من السوء التى يروجون لها، ويعلمون- أيضاً- أن أفاقة الوطن تجهض أوهامهم فى العودة إلى الحكم، الأزمات فى طريقها إلى الانفراج، وبشىء من الصبر والأمل والتفاؤل، يمكن أن تواصل البلاد السير فى طريقها إلى المستقبل، الذى يحفظ فرص الحياة الكريمة التى يستحقها هذا الشعب.