دلالات كثيرة تحملها زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لواشنطن فى هذه اللحظة الفاصلة من عمر العالم، خاصة أنه أول رئيس مصرى يزور البيت الأبيض منذ 25 يناير عام 2011، فعلى على حد زعم "الجارديان" البريطانية : "تأتى هذه الزيارة على عكس أوباما، الذى امتنع عن دعوة السيسى لواشنطن، ترامب لديه علاقات دافئة منذ اجتماعهما على هامش الاجتماع العام للجمعية العامة للأمم المتحدة سبتمبر 2016"، وبحسب الصحيفة نفسها فإن "ترامب" مثل "السيسي" تعرض لانتقادات بسبب هجماته على وسائل الإعلام، وقال مسئول رفيع المستوى فى البيت اﻷبيض: إن الزعيمين سوف يركزان على الأمن، وكلاهما يرى أن دولته وإداراته مستهدفة بشكل غير طبيعي.
الجارديان كما نعلم هى صحيفة إنجليزية معروفة بانحياز إدارتها التحريرية منذ 30 يونيو 2013 للجماعة الإرهابية، وهاهو أحد محلليها يذهب بخياله المريض، مذكرا بأن إدارة باراك أوباما كانت تطالب السيسى بتحسين سياساته الخاصة بحقوق اﻹنسان، فى وقت لم يذكر ترامب بعد سجل مصر فى مجال حقوق الإنسان، بينما قال مسئول فى البيت الأبيض:" نهجنا التعامل مع هذه الأنواع من القضايا الحساسة بطريقة خاصة وأكثر سرية .. ونعتقد أنها الطريقة الأكثر فعالية لدفع هذه القضايا إلى اﻷمام".
ويبدو جليا أن "الجارديان" أرادت تعكير أجواء زيارة الرئيس المصرى للولايات المتحدة الأمريكية على نحو خبيث فى هذا الوقت تحديدا، حيث ذكرت على لسان أحد محلليها: يبدو تقليديا أن رؤساء مصر يركزون خلال زيارتهم لواشنطنعلى زيادة حصة البلاد منالمساعدات العسكرية، وذلك ظاهريا لتحسين جهودها لمكافحة الإرهاب ضد داعش فى سيناء، وهذا يعنى فى كثير من الأحيان محاولة الحصول على أسلحة متطورة مثل طائرات F-16 ، و دبابات M1A1 حتى لو قال الخبراء، إنها من غير المحتمل أن تكون مفيدة فى معارك سيناء.
يأتى ذلك كله فى وقت اهتمت وسائل الإعلام الأمريكية قبل يومين من زيارة السيسى لواشنطن، حيث توقعت صحيفة "وول ستريت جورنال" علاقات أكثر دفئًا بين القاهرة وواشنطن خلال الفترة المقبلة، وقال "إيريك تريجر"، الباحث بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن المسئولين فى إدارة ترامب أشادوا بخطاب السيسى الذى حث فيه رجال الدين على مكافحة التطرف، وأضاف أنهم يشاركونه الرأى فى أن جماعة الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية"، مشيرًا إلى دفء العلاقات بين البلدين، بما يمكن أن يحسن تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون الاستراتيجي.
من جانب آخر، تنبأ موقع "وورلد بوليتكس ريفيو" الأمريكى الإخباري، أن يلقى الرئيس السيسى استقبالًا حارًّا فى واشنطن، منوهًا إلى أنمصرالتى تحاول أن تتحمل عبء القيادة الإقليمية، يبدو أنها تقع فى تركيز ترامب، ونقل الموقع عن شون سبيسر، المتحدث باسم البيت الأبيض، قوله إن زيارة السيسى إلى البيت الأبيض، ستوظف للاستفادة من الزخم الإيجابى الذى بنى للعلاقات بينالولايات المتحدةومصر، موضحًا أنه من بين القضايا التى سيناقشها الزعيمان، هزيمة ما يسمى تنظيم داعش الإرهابي.
فى الوقت نفسه، أكد ديفيد شينك، الكاتب فى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن تكون قضية مكافحة الإرهاب محور المحادثات التى ستجرى بين الرئيسين المصرى والأمريكى فى البيت الأبيض، حيث تعد محاربة الإرهاب أولوية لكل من الزعيمين، بينما رأى موقع "ذا هيل" الأمريكى أن هناك توافقًا بشأن القضايا الأمنية بين القاهرة وواشنطن، مع إمكانية انشاء تحالف إقليمي، لافتًا إلى أن خطة ترامب قد تؤدى إلى خفض ميزانية وزارة الخارجية، ما قد يؤدى إلى اختلاف فى وجهات النظر بينالرئيس السيسى والرئيس ترامب.
وفى السياق نفسه ألمحت مؤسسة "أتلانتيك كونسيل" البحثية الأمريكية، على موقعها الإلكتروني، أن القاهرة حريصة على الدفع من أجل إقامة علاقات ثنائية أقوى ترى أنها ستخدم مصالحها الإقليمية، لافتًا إلى وجود أربعة محاور على طاولة المباحثات بين الزعيمين وهى تأمين الدعم الأمريكى لمصالحمصرفى مجال مكافحة الإرهاب، والضغط علىالولايات المتحدةلتسمية الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، وتعزيز برنامج الإصلاح الاقتصادى فى مصر، إضافة إلى تقديممصركقوة إقليمية رائدة.
ولأن "الجارديان" عريقة فى الكذب والافتراء على مصر، بعدما كانت مرادفا للمصداقية قبل انحيازها المطلق للجماعة الإرهابية، فلم تلتفت لكل تلك التصريحات الإيجابية التى تستبق نجاح السيسى فى زيارته، كما وردت على لسان مسئولين وباحثين أمريكيين فى كافة وسائل الإعلام الأمريكية، بل ذهبت لتنقل عن "دانيال بنيم" الباحث فى مركزواشنطنللتقدم قوله: "ترامب يفضل الوقوفمع رجل قوى ضد الإرهاب أكثر من اهتمامه بالتحديات المحلية فى مصر، أو القيم الأمريكية التى أصبحت على المحك، مضيفا: ترامب أشاد بالسيسى ﻷنه سيطر بقوة على مصر، ومباركة الحملة التى أدانها الرئيس أوباما"، مشيرًا إلى أن فوز ترامب أتاح فرصة لمصر لتغيير الطريقة التى تنظر بها إلىواشنطن، وفى إطار نفس اللعبة الخبيثة، تنقل عن "روبرت سبرينجبورج" الأستاذ فى الدراسات الحربية بكلية كينغز كوليدج لندن، زعمه أن حملة مكافحة الإرهاب فى سيناء وفى مصر نفسها لم تحقق أهدافها، ويرجع ذلك إلى الأساليب القاسية ، وتزايد السخط الشعبي، والمعدات العسكرية الجديدة لن تتلافى هذه العيوب".
والواقع أنها شهادة حق يراد بها باطل فى ظل النجاحات المتتالية لحملات الجيش والشرطة فى سيناء، وإيقاع خسائر فادحة فى صفوف تلك الجماعات الإرهابية فى جبل الحلال وغيره من مناطق فى وسط وشمال سيناء، وباعتراف "تنظيم ولاية سيناء" الإرهابى بنفسه قبل يومين فى العدد الأخير من مجلة "النبأ" التى ينشرها تنظيم داعش، والذى أكد على مقتل قائده "أبو أنس الأنصاري" فى سيناء الشهر الماضى خلال قصف استهدفه ، ووصف التنظيم حال إرهابيى التنظيم بعد مقتل أبو أنس الأنصاري، بأنهم يشعرون باليتم بعده، لأن الأنصارى - بحسب النبأ - كان ينفذ الأوامر التى يلقيها عليه قادة داعش فى الخارج، وأنه بعد مقتله، لم يجد التنظيم واحدا يساير هذه المطالبات، واحتاجوا للعديد من المقاتلين لسد فراغه.
الأمر المؤكد أن الرئيس السيسى فى مساعيه الدبلوماسية الناجحة دوما يفتح شهية "الجارديان" نحو اختلاق الأكاذيب فتقوم بدس السم فى تصريحات محلليها، على العكس تماما من موقف باقى الصحف البريطانية ، ومنها صحيفة "الديلى ميل" العريقة، حيث قالت: إنه بعد توتر للعلاقات المصرية الأمريكية دام لأربع سنوات، فإن الرئيس "السيسي" سيلقى ترحابًا كبيرًا من قبل نظيره الرئيس الأمريكى "ترامب، وأشادت الصحيفة، بالدور الرائع الذى قام به الرئيس "السيسي" فى التخلص من الإرهاب، ومواجهته للقضايا الاقتصادية بالبلاد، واصفة الرئيس "السيسي" بالشخصية الرائعة، بينما قالت صحيفة "إندبندنت"، إندونالد ترامبيعد الرئيس الأخير فى سلسلة طويلة من القادة الغربيين، يصطفون لمقابلة الرئيس المصرى السيسى بعد استضافة كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا للرئيس المصرى الذين قدموا له دعما واضحا.
والتاريخ بالتاريخ يذكر، فلا ننسى تلك الفضائح التى لاحقت "الجارديان" فى مايو 2016 ، فى مصادفة كشف المؤامرة على مصر، حين اعترفت الجريدة بنشر أكاذيب عن مصر وحذفت 13 موضوعًا مفبرك، والتى اعقبتها مطالبات بإغلاق مكتبها بالقاهرة، والتلويح باعتذار الخارجية البريطانية آنذاك، بعدما كشفت فضيحة "الجارديان" المخطط الغربى الخفى لتشويه صورة مصر خارجيًا باستخدام الإعلام، وذلك بعد أن وقعت فى فخ جديد للفبركة، لتضطر للاعتذار عن تقارير الصحفى "جوزيف مايتون"، الذى عمل لفترة مراسلا لها من القاهرة.
لقد أجبرت الصحيفة على الاعتراف بأن التقارير التى نشرها مايتون سواء أثناء وجوده بالقاهرة أو بعد انتقاله إلى كاليفورنيا، وعندما لم يستطع "مايتون" أن يقدم دليلا مقنعا عن المقابلات التى أجراها فى تقرير منشور فى فبراير الماضى، وفى محاولة لإنقاذ ماء الوجه، قالت الصحيفة إنها لجأت إلى محقق خاص لدراسة عمله السابق فى الجريدة، ووجد أن هناك مقالات احتوت على فبركة محتملة أو مؤكدة، منها تقريران قال المنظمون للأحداث فيها إن الصحفى لم يحضر، كما أن عددا من المصادر لم يتم التوصل إليها، إلا لأنهم غير موجودين على الإنترنت أو لأنهم مجهولون، كما أن عددا من المصادر نفت أن مايتون تحدث معها أو أن يكونوا قد أدلوا بالتصريحات المنسوبة إليهم.
إذن لم تكن هذه هى المرة الأولى أو الأخيرة التى تعترف فيها "الجارديان" بأخطاء مراسليها فى تغطية أخبار مصر، فسبق أن اعتذر محرر بريد القراء بالصحيفة "كريس إليوت" للمحامية الحقوقية آمال كلونى، زوجة الممثل العالمى جورج كلونى، بعدما نشرت الصحيفة تقريرا عن تهديد السلطات المصرية باعتقالها بعد انتقادها النظام القضائى المصرى لإدانة حبس صحفيى الجزيرة العام الماضى.