من الواضح أن المرحلة المقبلة، ستشهد تحولًا فى البوصلة السياسية الدولية من خلال التنسيق السياسى والدبلوماسى مع أهم الدول العربية على البحر المتوسط، فهى الدولة التى حققت على الأرض عددًا من خطوات النجاح فى استعادة هيبة الدولة بمحاربة الإرهاب والحفاظ على الهوية، وعلى مؤسسات الوطنية فتأهلت من جديد بخطوات يرصدها العالم بنتائجها.. واتضحت فى الزيارة الأولى لمقر الإدارة الأمريكية التى قام بها الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى فقد ترجمت الكثير من الرسائل الإيجابية وتحولات حقيقية للوعى لمدى التداعيات السلبية المختلفة التى حصدتها السياسات الأمريكية السابقة من مواقفها الرمادية المتخبطة، خاصة مع جماعات الإرهاب، وانعكست سلبًا أيضًا على المصالح الأمريكية فى المنطقة.
كتب كورى شايك، مقالًا نشرته مجلة فورين بوليسى، تحت عنوان «ترامب لديه استراتيجية تبدو ناجحة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية»، استهله قائلًا إن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية كانت أهم أولويات الأمن القومى بالنسبة للمرشح الرئاسى دونالد ترامب، وواحدة من القضايا السياسية القليلة التى تناولها دون أن يناقض نفسه. وفى حين أن ادعاءه بوجود خطة سرية، وبأن إبقاءها سرًا كان استراتيجية جيدة، كان مرهقًا بالنسبة لخبراء الأمن القومى، كانت أهداف سياسته وما زالت متسقة. إذ يرى ترامب أنه يجب توجيه الجهود الأمريكية نحو محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وأن تغيير النظام وإبعاد الرئيس السورى بشار الأسد عن السلطة لا يمثل هدفًا ثانويًا فحسب، بل سلبيًا أيضًا فيما يتعلق بهدف إرساء الاستقرار فى سوريا ودرء الإرهاب، ومكلفًا للغاية فى ضوء دعم روسيا وإيران للنظام السورى. كما يرى أنه ينبغى إيثار تحقيق الاستقرار على أهداف الإغاثة الإنسانية أو نشر الديمقراطية، وأنه يجب محاولة استرضاء روسيا وتعزيز مصالحهما المشتركة. وتعطى وزارة الخارجية والدفاع الأمريكية، فى الواقع، الأولوية لهزيمة تنظيم داعش، فقد كان أول ظهور لوزير الخارجية ريكس تيلرسون فى حدث دولى كبير أثناء اجتماع الدول الأعضاء فى التحالف الذى يقاتل التنظيم الإرهابى، ما أكد رسالة ترامب بأن محاربة التنظيم تأتى على قمة أولويات الأمن القومى الأمريكى، وأن «الولايات المتحدة ستزيد من ضغطها على داعش والقاعدة، وستعمل على إقامة بؤر مؤقتة للاستقرار من خلال وقف إطلاق النار للسماح للاجئين بالعودة إلى ديارهم». وقد اجتمع وزير الدفاع جيمس ماتيس مع شركاء الشرق الأوسط واتخذ عددًا من القرارات التى تهدف إلى تعزيز القوات فى ساحة المعركة: ومنها زيادة عدد الجنود الأمريكيين فى العراق وسوريا، وإعادة هيكلة بعثة تقديم المشورة والمساعدة لوضع القوات الأمريكية على مقربة من الجبهة، ونشر القوات الأمريكية لقطع الطرق المؤدية إلى الموصل، والحصول على موافقة رئاسية بمنح وزارة الدفاع المزيد من الصلاحيات، ونقل سلطة اتخاذ القرار بصورة أكبر إلى القادة العسكريين.
وبالنسبة للعديد من المراقبين، يبدو النهج الناشئ مماثلًا لاستراتيجية باراك أوباما، ولكن مع موارد أفضل.
ويرى الكاتب أن إدارة ترامب تسعى فى الواقع للنأى عن نهج أوباما، وتنفيذ استراتيجية أوسع نطاقًا. فربما لم يوافق البيت الأبيض رسميًا بعد على استراتيجية مناهضة لتنظيم الدولة، ولكن قراراته التدريجية تشكل نهجًا متماسكًا يختلف عن نهج أوباما فى أربع نقاط مهمة. أولًا، يعطى ترامب الأولوية للسرعة. فقد استندت استراتيجية الرئيس أوباما إلى فكرة أن الحملة المناهضة لداعش ستمتد لعدة سنوات. وبينما كانت ميزة هذا النهج هى إلقاء مسؤولية تحقيق النتائج على بلدان المنطقة وتشجيعها على تطوير القدرة الحاكمة الضرورية لتحقيق الاستقرار فى الأراضى المحررة، تضمن تكلفة حادة تمثلت فى الكوارث الإنسانية التى حلّت على العراقيين والسوريين فى المناطق الخاضعة لهيمنة داعش والضغوط المتصاعدة على الحكومات الإقليمية لاستقبال اللاجئين وتدمير المعارضة المعتدلة داخل سوريا وزيادة التطرف داخل المجتمعات الغربية، واستياء شعوب المنطقة من الجهود الأمريكية المبذولة.. وثانيًا، تقدم إدارة ترامب التزامًا عسكريًا أمريكيًا طويل الأجل. فقد فضّل أوباما تبنى نهج محدود النطاق وترك مسؤولية تحقيق النصر والاستقرار لاحقًا للحلفاء المحليين.. وثالثًا، تعطى إدارة ترامب أولوية لمساعدة البلدان التى تريدها أن تنتصر فى الحروب الجارية الآن فى المنطقة. إذ تولى إدارته اهتمامًا أقل من إدارة أوباما إلى النزعات الاستبدادية والإصابات بين المدنيين وسجلات حقوق الإنسان المحلية فى مصر والسعودية والبحرين ودول أخرى تقاتل حركات متمردة وعمليات زعزعة الاستقرار الإيرانية فى الشرق الأوسط. فقد انحاز البيت الأبيض فى عهد ترامب بوضوح إلى جانب معين فى هذه الحروب، وأصبح الحفاظ على استقرار الدول التى تعمل مع الولايات المتحدة من أجل القضاء على الإرهاب هو أولوية هذه الإدارة بالنسبة للشرق الأوسط. ورابعًا وأخيرًا، تضع إدارة ترامب الأساس لإقامة تحالف مناهض لإيران بعد حل مشكلة تنظيم الدولة الإسلامية.
فرغم تقديمها لتنازلات بشأن أشياء كثيرة، كانت إدارة أوباما غير مرنة أو غير واضحة بشأن ما يلزم للوصول إلى تسوية مع الحلفاء الإقليميين من أجل تيسير الحملة المناهضة لداعش. ولا يبدو أن إدارة ترامب قد عثرت حتى الآن على صيغة للاتفاق مع تركيا حول دور القوات الكردية فى استرداد مدينة الرقة، ولكن من الواضح أنها توصلت إلى توافق فى الآراء مع الحلفاء الإقليميين فى معظم القضايا الأخرى. ويختتم الكاتب المقال بالإشارة إلى أن قرار التصدى مجددًا لإيران ربما كان مفاجأة غير مرغوب فيها بالنسبة لأعضاء حلف شمال الأطلسى وغيرهم ممن اجتمعوا مع تيلرسون فى واشنطن الأسبوع الماضى، ولكن يعد موقفًا حكيمًا واستراتيجية جيدة.
إذن كيف سيكون هذا الجهد العربى القادم لضمان الاستقرار وعدم تدخل الأطراف الإقليمية؟ فهل سيكون من خلال ناتو عربى يجمع بين مصر السعودية والأردن والإمارات بدعم وتنسيق أمريكى يتواجد فى المناطق العربية التى تشهد الكثير من التوتر والإرهاب ؟! هل سيعاد ملف القضية الفلسطينية والحل للدولتين لإغلاق عدد من مبررات الإرهاب؟
مصر شكلت رأس الحربة ضد الإرهاب وأجبرت بخطواتها أكبر دول العالم لتراجع حساباتها وتعاملاتها، وتراجعت فى سياستها ضد مصر.. إذن قرار محاربة الإرهاب الذى أصبح شعارًا للإدارة الأمريكية اليوم كانت استراتجية مصر منذ اليوم الأول للرئيس وللقوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية المصرية، لذلك حققنا الكثير من الفرق وحصدنا العديد من الثقة والاحترام والتقدير من زعماء العالم.