إن العين لتدمع والقلب ليجزع وأصوات صراخ الأطفال فى كل الأماكن التى لا تجد من يحميها.. فى سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان،
وأخيرًا بورما أو «ميانمار»، تلك البلدة الصغيرة فى جنوب شرق آسيا
التى يحكمها العسكر البوذيون ويمثلمون الأغلبية أما الأقلية فهى الطائفة المسلمة التى تمثل حوالى %10 من السكان والتى تتعرض للإبادة والتشريد، من منا لم تصله فيديوهات التعذيب والقتل والتنكيل سواء على الفيس بوك أو على اليوتيوب؟
من منا لم ينفطر قلبه لرؤية الجثث لمسلمى بورما تأكلها النيران أو يمثل بها؟
فى البداية كنت أظن أن ما يحدث للأقلية المسلمة فى بورما فيديوهات ملفقة أو فوتوشوب.. حتى بدأت بالبحث والقراءة والتحقيق.. عشرات المآسى رأيتها ومعلومات كثيرة حصدتها وقررت أن تعرفوا الحقيقة المفجعة معى.
والقصة ليست جديدة بل أنها لها أبعاد تاريخية..
ففى عام 1784م احتُلت أراكان من قِبَل الملك البوذى «بوداباى» الذى قام بضم الإقليم إلى «ميانمار» أو بورما خوفًا من انتشار الإسلام فى المنطقة، واستمر البوذيون البورميون فى اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين من «أصل هندى» على ذلك.
وفى عام «1824م» احتلت بريطانيا ميانمار، وضمّتها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية.
واجه المسلمون البورميون الاحتلال الإنجليزى بعنف مما أدى إلى إمداد الإنجليز البوذيين بالسلاح حتى قاموا بإبادة حوالى 100 ألف مسلم للقضاء على نفوذ المسلمين فى بورما، كان ذلك فى عام 1942.
والآن يعيش المسلمون فى بورما أشد محنة يتعرضون لها فى تاريخهم حيث تشن ضدهم حرب إبادة عنيفة من قبل جماعات بوذية متطرفة راح ضحيتها عدد كبير لا يمكن إحصاؤه بدقة.
فقد أعلن بعض الكهنة البوذيين الحرب المقدسة ضد المسلمين.
والغريب حقًا أن تعتبر الأمم المتحدة الأقلية المسلمة فى بورما أكثر الأقليات فى العالم اضطهادًا ومعاناة وتعرضًا للظلم الممنهج من الأنظمة المتعاقبة فى بورما.
ويبلغ عدد سكان بورما أكثر من 50 مليون نسمة منهم %15 مسلمين، يتركز نصفهم فى إقليم أراكان، الذى يتواجد فيه الأغلبية المسلمة.
وأعادت الأحداث الدامية الأخيرة التى تعرض لها المسلمون فى إقليم أراكان المسلم فى بورما فى الأعوام الأخيرة منذ عام 2010 مآسى الاضطهاد والقتل والتشريد التى كابدها أبناء ذلك الإقليم المسلم منذ 60 عامًا على يد الجماعة البوذية الدينية المتطرفة «الماغ» بدعم ومباركة من الأنظمة البوذية الدكتاتورية فى بورما. حيث أذاقوا المسلمين الويلات وأبادوا أبناءهم وهجروهم قسرًا من أرضهم وديارهم وسط تعتيم إعلامى وغياب تام لمنظمات حقوق الإنسان.
والبداية كانت مع حلول الديمقراطية فى ميانمار «بورما»، حصلت ولاية أراكان ذات الأغلبية الماغية على 36 مقعدًا فى البرلمان، أعطى منها 43 مقعدًا للبوذيين الماغين و3مقاعد فقط للمسلمين، ولكن وبالرغم من هذه المشاركة من المسلمين الروهنجيين لم تعترف الحكومة الديمقراطية التى ما زالت فى قبضة العسكريين الفاشيين بالعرقية الروهنجية إلى الآن رغم المطالبات الدولية المستمرة.
وقبل انفجار الأزمة فى يونيه 2012 بأيام، أعلنت الحكومة الميانمارية البورمية بأنها ستمنح بطاقة المواطنة للروهنجيين فى «أراكان» فكان هذا الإعلان بالنسبة للبوذيين بمثابة صفعة على وجوههم، فهم يدركون تمامًا معنى ذلك وتأثيره على نتائج التصويت- فى ظل الحكومة الجمهورية الوليدة – ويعرفون أن هذا القرار من شأنه أن يؤثر فى انتشار الإسلام فى أراكان، حيث إن البوذيين يحلمون بأن تكون أراكان منطقة خاصة بهم لا يسكنها غيرهم.
بدأ البوذيون بعد ذلك يخططون لإحداث أى فوضى فى صفوف المسلمين، ليكون ذلك مبررًا لهم لتغيير موقف الحكومة تجاه المسلمين الروهنجيين فيصورونهم على أنهم إرهابيون ودخلاء، ويتوقف قرار الاعتراف بهم أو يتم تأجيله، وأيضًا لخلق فرصة لإبادة الشعب الروهنجى المسلم مع غياب الإعلام الخارجى كليًا، وسيطرة البوذيين على مقاليد الأمور فى ولاية أراكان.
ولفقوا اتهام بتعرض فتاة بوذية للاغتصاب مما جعلهم يقومون بالقصاص بأيديهم من المسلمين فكان هناك فريق من الدعاة يعودون إلى بورما بعد قضاء العمرة وقاموا بقتلهم والتمثيل بجثثهم.
وبالطبع كان موقف الحكومة مخجلًا ومتواطئًا مع البوذيين ضد المسلمين، حيث قامت بالقبض على 4 من المسلمين بدعوى الاشتباه بهم فى قضية الفتاة، وتركوا الـ466 الذين شاركوا فى قتل هؤلاء الأبرياء، مما يوضح بجلاء أن القضية ليست قضية فتاة إنما هى دعوى ترويجية لإحداث الفوضى وإبادة المسلمين بمباركة من الحكومة وإعادة ما حصل قبل سته عقود.
وفى يوم الجمعة الموافق 3يونيه 2012 يوم اندلاع الثورة أحاط الجيش والشرطة البوذية بشوارع المسلمين تحسبًا لأى عملية مظاهرات وشغب فى أراكان وبالتحديد فى «مانغدو»، ومنعوا المصلين من الخروج دفعةً واحدة، وأثناء خروجهم قام الرهبان البوذيون برمى الحجارة على المسلمين حتى أصيب عدد منهم، فثار المسلمون وقاموا بردة فعل، فقاموا بأعمال شغب، وهذه هى الفرصة التى كان ينتظرها البوذيون ليردوا عليها بإبادة شعب طال تخطيطهم لها، وبعدها تدخل الجيش والتزم المسلمون بالتهدئة ورجعوا لمنازلهم وتم فرض حظر التجول على الطرفين فتمت محاصرة أحياء المسلمين حصارًا محكمًا من قبل الشرطة البوذية، وفى المقابل ترك الحبل على الغارب للبوذيين يعيثون فى الأرض الفساد، ويزحفون على قرى ومنازل المسلمين بالسواطير والسيوف والسكاكين، فبدأت حملة الإبادة المنظمة ضد المسلمين والتى شارك فيها حتى كبار السن والنساء، أما المسلمون العزل فكل ما كان يحملونه عند ثورتهم بعد الجمعة مجرد عصى وأخشاب لدى بعضهم، وهكذا بدأ القتل فى المسلمين وحرق أحياء وقرى كاملة للمسلمين بمرأى من الشرطة الماغية البوذية وأمام صمت الحكومة التى اكتفت ببعض النداءات لتهدئة الأوضاع.
إلى متى سنظل نشاهد ونحن صامتون ونسمع وهم يستنجدون بالمجتمع الإسلامى من ناحية والمجتمع الدولى من ناحية أخرى، ونحن مكتوفى الأيدى؟ أين دور الأزهر أين منظمات حقوق الإنسان التى تملأ الدنيا ضجيجًا.
ومتى سنمد يد العون لإنقاذهم من ويلات الإبادة؟
هل من مجيب؟!