المتأمركون الجدد وسوريا

فى الضربة الأمريكية الصاروخية على مطار الشعيرات فى سوريا سيثير اشمئزازك أن بيننا من لا يستفيد من حقائق التاريخ ويغفلها عمدا، فيصدق مزاعم أمريكا والغرب حول حقوق الإنسان والديمقراطية فى المنطقة. ليست المشكلة فى هؤلاء الذين يحملون الأجندة الأمريكية فى التوجهات السياسية على طول الخط، فهؤلاء معروفون بيننا ومواقفهم متوقعة فى كل الأزمات السياسية التى لها علاقة بأمريكا وإسرائيل، وإنما المصيبة فى «المتأمركين» الجدد الذين مروا يوما على الطريق الذى يعارض العنجهية الأمريكية، وكانوا يعتبرون أن أمريكا أصل الداء فى المنطقة، لكنهم الآن يهللون فرحا بـ59 صاروخا أطلقتها إدارة ترامب على مطار الشعيرات العسكرى السورى بريف حمص. هؤلاء لا يفضلون حاليا أن يتذكروا جريمة إدارة جورج بوش الأب والابن نحو العراق، تلك الجريمة التى قامت على أكذوبة امتلاك صدام لأسلحة كيماوية وجرثومية ونووية، وحين سقطت بغداد ودخل الأمريكان العراق ومزقوها على النحو الذى نجنى مرارته الآن تأكد أن كل شىء قاله بوش وإدارته كان كذبا، فلا العراق كان لديه أسلحة كيماوية ولا جرثومية ولا نووية. وكانت قوته فى أنه بلد عربى موحد عريق فى حضارته ولديه من الإمكاينات ما يجعله نقطة توازن مهمة فى الحفاظ على الأمن القومى العربى من البوابة الشرقية. دخلت أمريكا العراق ليبدأ كل شىء فى التحلل، فبعد أن كان دولة موحدة أصبح الآن على الطريق الذى يؤدى إلى أكثر من دولة، بما يحقق المصلحة الكبرى لإسرائيل، وبما يعزز الاعتقاد بأنها تقف وراء كل هذا المخطط الرهيب لتدمير الدول العربية. «المتأمركون الجدد» أصبح حديثهم عن القضية الفلسطينية خافتا، لم تعد فى نظرهم القضية المركزية للعرب، ولم تعد بالنسبة لهم أيقونة نضال، ولا جغرافية اغتصبتها إسرائيل، ولا تاريخ ناصع يفتخر بأنه قدم مئات الآلاف من الشهداء. «المتأمركون الجدد» إن حدثتهم عن الجريمة الأمريكية المتواصلة فى سوريا بمساندتها للجماعات الإرهابية، سيردون عليك بأن بشار يرتكب الجرائم، وإن حدثتهم عن أن استخدام السلاح الكيماوى هو جريمة بكل المقاييس، لكن ونحن نشدد على إدانة من يستخدمه لابد أن نستدعى فى ذاكرتنا ما حدث من قبل فى العراق، منذ أن فرشوا الطريق إلى تدميره بالكثير من الادعاءات والأكاذيب، وأن أمريكا والغرب لا يهمهم من بعيد أو قريب الضحايا، سيردون عليك على طريقة المعارضة السورية العميلة بأن ممارسات النظام السورى هى التى أدت إلى هذا التصرف الأمريكى، وأن العدو هو روسيا وإيران وحزب الله. أغرب ما فى هؤلاء «المتأمركون الجدد» أنهم لا يتوقفون مثلا أمام الترحيب البالغ من إسرائيل للضربة الأمريكية، ولا يلفت نظرهم حديث إسرائيل عن الجانب الأخلاقى فيما حدث.. هل تصدقون أن إسرائيل أصبحت تتحدث عن الأخلاق؟، وتتحدث عن حقوق الإنسان السورى، وتتحدث عن ضحايا «نظام بشار»، وتتحدث عن ضرورة البحث عن حل للأزمة السورية. «المتأمركون الجدد» ستجدهم خليطا من أيدلوجيات مختلفة، فيهم من اليسار واليمين والقوميين والإخوان وجماعات متشددة تنتسب إلى الإسلام السياسى، كانوا يتحدثون من قبل عن أمريكا بوصفها «أمريكا هى الطاعون، والطاعون أمريكا» كما قال الشاعر محمود درويش، لكنهم الآن أصيبوا برخاوة النخوة. أحيانا ستجدهم يغضبون من بعض التصرفات الأمريكية، لكنهم أصبحوا مع النهج، غضبهم هو غضب «الميوعة» ليس أكثر من ذلك. الغضب الذى سيعنى بث السم فى العسل، وهذا أخطر الحالات فى تشكيل الرأى العام.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;