اللعب بورقة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر ليس جديدا ولا غريبا علينا، ومصر تلقن كل يوم من يمسك بهذه الورقة الدرس المناسب، بعبقرية الوسطية المصرية، التى امتزجت فيها مياه النيل بخبرة مؤسساتها الدينية والوطنية وعبقرية الشعب المصرى.
وإذا كان لكل حادثة حديث، ولكل وقت أذان كما يردد المصريون دائما؛ ومن باب التجديد، فإن مواجهة الفتنة الجديدة التى يستخدم فيها الخوارج الدواعش الذين وجهوا للعب بدماء الورقة القديمة لابد فيها من خريطة جديدة، ودعونا نقترح بعض التفاصيل العاجلة فى هذه الخريطة التى نرى أنها من الضرورات الملحة ومن واجبات الوقت:
أولها: إحياء الالتزام المجتمعى قبل الالتزام المؤسسى والرسمي، وقد أصبحت اللحظة الآن فارقة داعية لتقديم براهين التعاون والتضامن مع الدولة المصرية والهوية الوطنية من منظمات المجتمع المدنى والقيادات الشعبية والطلابية والقبلية، للتأكيد على وحدة النسيج المجتمعى المصرى، والتأكيد على أن الاعتداء على أى من المصريين المسيحيين هو اعتداء على المصريين جميعا.
والحقيقة قد وضح كَمُّ التضامن والتآخى بين المصريين جميعا فى مختلف الأزمات التى مروا بها والتى كان آخرها موقف المواطنين جميعا من تفجير الكنيسة البطرسية، واستقبال الأسر المسيحية الفارة من سيناء هربًا من عنف المتطرفين، وقد أصبح تمديد هذه الفاعليات والبناء عليها ضرورة ملحة.
ثانيًا : تجدد الثقة والدعم والمساندة للجهود الأمنية التى تبذلها الدولة المصرية ممثلة فى الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، وقد شهدنا جميعًا كيف تصدت قوات أمن الإسكندرية لمحاولة عنصر إرهابى اقتحام الكنيسة المرقسية، واستشهد كل من العميد نجوى الحجار، والرائد عماد الركايبى -تقبلهم الله-لمنع وقوع ضحايا من داخل الكنيسة، وعلى الجميع اليوم التضامن الفعلى وتعميق التوعية بالتضامن مع الأجهزة المعنية لتحقيق الأمن المجتمعي، والتعهد بتقديم المجرمين للمحاكمة، ومحو فكرة أن مساندة المجرمين من المروءة أو الشهامة من أذهان بعض البسطاء.
ثالثا : عدم التعامل مع أدعياء العلم على كل المستويات ، فعلى المستوى الشرعى والدينى علينا التمسك باستقاء العلم الشرعى والأحكام الدينية والفتاوى الصحيحة من المؤسسات الدينية الرسمية التى تعمل وفق منهج علمى ودينى قويم ، والاتفاق على معايير واضحة للخطاب الدينى الذى تنتجه هذه المؤسسات ، وطريقة توصيل هذا الخطاب إلى القاعدة الشعبية فى أسرع وقت وأجود حال ، وكذلك على المستوى النفسى والاجتماعى والإعلامى ؛ فاللجوء فى هذه المشكلات إلى غير أهل الاختصاص فيها لن يزيد الطين إلا بلة ، وقد رأينا آثار ذلك فى تدعيم حالة الفوضى التى لا تثمر إلا تطرفا ربما يعقبه عنف.
على أن التشبيك والتعاون بين أهل الاختصاصات المختلفة عمل رشيد لتفادى العمل فى جزر منعزلة وللإسراع بالإنجاز ؛ فنحن جميعا نعلم أن إهدار الوقت ليس فى صالح أحد ، ومن ثم فإننا نثمن مبادرة سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى بإنشاء هذا الكيان الجامع لمواجهة التطرف والإرهاب ، وذلك لوضع آليات التعاون بين مؤسسات الدولة ، ووضع المعايير المشتركة لخطاب واع يطبق فى كل المجالات : يحافظ على الهوية المصرية الجامعة ، ويجدد الخطاب العام دينيا كان أو إعلاميا أو ثقافيا أو أمنيا أو غير ذلك لينبذ العنف بكل أشكاله .
وإنه لوقت يجب فيه أن يستمع بعضنا إلى بعض، للصالح العام، ونبذ المشاريع الخاصة، وليكن شعارنا الحفاظ على هويتنا سفينتنا للخروج من الأزمة .
{يأيها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأنفال: 20، 21]
• مستشار مفتى الجمهورية