حتى ندرك مدى جدية العالم فى مواجهة الإرهاب أو عدم جديته، علينا ملاحظة أمرين، أولهما عدم محاسبة الدول الراعية للإرهاب وفى مقدمتها قطر وتركيا اللتان توفران ملاذات آمنة وتمويلا وحماية لمجموعات الإرهاب وجماعات التطرف والعنف، والثانى انحياز دول كبرى لجماعة الإخوان والتنظيمات المرتبطة بها لاستخدامها فى احتواء أو تقويض الدول بمناطق مختلفة من العالم مثلما حدث ويحدث فى الشرق الأوسط. كيف يكون العالم جادًا فى مواجهة الإرهاب، بينما تعمل أنقرة والدوحة على استقطاب أقذر أنواع المتطرفين والانتحاريين، وتشيد لهم معسكرات تدريب، وتسلحهم، ثم تطلقهم آلات قتل فى العواصم العربية المنكوبة بالفوضى، ومن هؤلاء الذئاب المنفردة التى عبرت إلى أوروبا على أنهم لاجئون، والانتحاريون المفخخون فى مصر وسوريا والعراق؟ وهل يمكن أن تنفذ الدوحة وأنقرة هذه المخططات الشيطانية بدون تنسيق أو أوامر من واشنطن ولندن؟
لندن، وبالمعلومات الموثقة المعلنة، هى أكبر مركز للإرهاب فى العالم، ففيها المقر الرئيسى للتنظيم الدولى للإخوان، الجماعة الإرهابية الأقدم والأشد خطرا، وفيها أصول وأموال أعتى القيادات الإخوانية، كما أنها تمنح المجرمين المطلوبين للعدالة فى بلادهم اللجوء السياسى بسهولة، وتؤوى مشاهير المتطرفين من مختلف دول العالم، بل إن ما يقارب %80 من قادة الإخوان فى العالم يحملون الجنسية البريطانية ويمتلكون أصولا وأموالا فى بريطانيا.
وبريطانيا العظمى فى النصف الأول من القرن العشرين، كانت وراء إنشاء جماعة الإخوان فى مصر، وجماعة ديوبوندى فى الهند، لبناء أسوأ نموذج متأسلم فى العالم الحديث يتبنى العنف والإرهاب والتغيير بقوة السلاح، وبالمثل كانت الإدارات الأمريكية المتتابعة سببًا مباشرًا فى ظهور أخطر الجماعات والتنظيمات الدموية التى ترفع لواء الإسلام العنيف، بدءًا من القاعدة، مرورًا بداعش وجبهة النصرة وجيش الإسلام ولواء الإسلام وفجر الإسلام فى ليبيا، وعشرات المنظمات العنقودية المتطرفة.
إذا كانت واشنطن ولندن جادتين حقًا فى العمل على تجنيب العالم مخاطر الإرهاب، فلتعلن العاصمتان وقف التمويل فورًا لكل الجماعات المتطرفة، والمجموعات المتقاتلة فى سوريا والعراق وليبيا واليمن، ووقف إمدادات السلاح إلى شراذم الإرهابيين فى سيناء، وإعادة الاعتبار للدول العربية المستقلة، وسيادتها على كامل ترابها الوطنى، ودعمها فى مواجهة الفصائل المسلحة واعتماد مشروع لإعادة إعمار الدول العربية المتضررة من مشروع الفوضى الخلاقة بعد إنهاء العمليات العسكرية على أراضيها، ووقف عمليات توطين اللاجئين فى أوروبا، ومنحهم ملاذًا مؤقتًا، حتى تهدأ الأوضاع فى بلادهم، والعمل على تمويل مشروعات الحياة من جديد فى بلدانهم الأصلية.