برلمان "أبو سليمان"

يبدو أن المطرب حسن البرنس كان يقرأ المستقبل حين قال في أغنيته الشهيرة "مفيش صاحب بيتصاحب" الجملة الأثيرة "وأبو سليمان دي البرلمان" فكل جلسات البرلمان التي بثها التليفزيون قبل قرار الإلغاء بدت وكأنها منقولة علي الهواء من منطقة أبو سليمان بالإسكندرية!!!
حسن البرنس (اللي غني وكتب وأي حد قصاده اتشطب ، وهكذا قال هو عن نفسه وليس لي يد في ذلك ) قالها عفويا قبل أن تتحول إلي واقع ليثبت بالدليل العملي والبرهان أن الجملة التي يلقيها الإنسان عفوا يمكن أن تتحول في يوم من الأيام إلي واقع مادام قد قالها وتفاعلت مع الكون (وفقا لنظريات التنمية البشرية وعلوم الطاقة).
لكن الغريب في الامر هو أن حجم الهرج والمرج الذي كان سائدا في الجلسات الأولي التليفزيونية بدأ يقل منذ قرار إلغاء البث التليفزيوني ليبدو أن الحقيقة هي أن الأعضاء كانوا متأثرين نفسيا بقرار نقل الجلسات علي الهواء ، أما وقد زال هذا الأثر بعد قطع البث فإن كل شيء أصبح طبيعي!
رجال البرلمان كانوا عارفين إن التليفزيون يصور الجلسات وبالتالي فقد تباروا في إظهار مواقفهم والتعبير عن أفكارهم بمنتهي الحدة من باب أنها فرصة وجت لحد عندهم خصوصا أن عددا كبيرا منهم يظهر في الكادر لأول مرة.
الجلسات التي تلت قرار إلغاء البث التليفزيون كان لها طابع مختلف عاقل تماما فقد بدا النواب في منتهي العقل وهم يناقشون القضايا الشائكة وكان منتهي هذه اللحظة العاقلة ما شهدته مناقشات قانون الخدمة المدنية التي كان العرض والعرض المقابل علي أشده حتي وصلت الأمور في النهاية إلي القرار الذي أجمعت عليه الأغلبية.
الأمر في عمومه لم يخل طبعا من بعض اللقطات الكوميدية لكنها أيضا كانت في إطار من العقل والمنطق لتبدو الحقيقة وكأنها ترسم نفسها واضحة كالشمس ،والحقيقة تقول "إن النواب كانوا بيعملوا اللي عملوه في أول أيام البرلمان لأنهم عارفين أن التليفزيون بيصور" ، والواضح أن ذلك كان مؤثرا جدا.
وعموما فخناقات البرلمانات ليست اختراعا مصريا ففي دول عربية كثيرة هناك خناقات مروعة في البرلمانات وتبادل الشتائم أمر عادي في بعض الدول الخليجية التي لا يبقي فيها البرلمان عاما دون أن يسقط لتبدأ انتخابات أخري وتشكيل آخر ، وخناقات أخري!
وفي إيطاليا تشاجر نائبان في البرلمان في الوقت الذي كان فيه زملاء لهم يسعون سعيا حثيثا للفصل بينهما إلا أن الأمر تصاعد شيئا فشيئا ثم تحول إلي معركة جماعية نقلتها وسائل الإعلام وتفرج عليها وعليهم العالم.
وفي أوكرانيا يبدو الأمر معتادا ، فخناقات البرلمان هناك أكثر من الخناقات التي شهدها البرلمان المصري في أول 3 أيام له ، وهو دليل قاطع علي أن مثل هذه الأمر لا تحدث عندنا فقط وإنما تمتد إلي دول أخري شبيهة.
وبالعودة إلي الأيام الأولي للبرلمان فقد بدا من الظرائف واللطائف أن أخواننا من مواقع التواصل بدأوا يستعيدون اللحظات القديمة علي هامش اللحظات الجديدة فبثوا بشك كثيف مجموعة من "الفيديوهات" تظهر الخناقات القديمة في البرلمان الذي كان اسمه مجلس الشعب ، ولا شك لدي في هذه اللحظة أن تناول رجال ونساء كوكب "فيس بوك" الساخر لجلسات البرلمان هو ما تسبب في إلغاء البث التليفزيوني.